قبل أربعة أشهر، ألمح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، إلى وقف إصدار بطاقات تموينية للمقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثًا، وعدم زيادة المستحقين في "بطاقات التموين القديمة" لأكثر من فردين، مشيرًا خلال افتتاح بعض المشاريع التنموية في يناير الماضي إلى أن "ثقافة المواطن يجب أن تتغير".

وطبقا لإحصاءات رسمية، يبلغ عدد بطاقات الدعم الحكومي الغذائي، التي يحصل المواطنون بموجبها على السلع والخبز بأسعار مخفضة، 23 مليون بطاقة يستفيد منها نحو 72 مليون شخص. وتبلغ قيمة فاتورة هذا الدعم في الموازنة الحالية 87 مليار جنيه مصري مقسمة بواقع 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.

قصة الدعم

قبل 118 عامًا لم تعرف الدولة المصرية الدعم بالشكل الرسمي، فإن ما كان يتم قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية على فترات لم يرتقِ إلى مسمى الدعم بمعناه المعروف. فعلى سبيل الذكر تصدى الملك فاروق لمشكلة دعم أبناء الطبقات الفقيرة عام 1941، وخصص 2000 جنيه لحل هذه الأزمة، وكان هذا المخصص أولى حلقات الدعم في مصر، لكن بشكل غير مباشر وفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للدراسات السياسية والاقتصادية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، 1939 - 1945، التي تسببت في إيقاف تبادل السلع بين دول العالم، تدخلت الحكومة بشراء بعض السلع الأساسية، مثل القمح والدقيق والكيروسين وغيرها من السلع على نفقتها وضخها في الأسواق مجانًا لتعبر تلك الأزمة لتلافي الآثار السلبية الناجمة عن الحرب، ومعها دشنت وزارة للشؤون الاجتماعية التي تحولت تدريجيًا، لتصبح وزارة التموين والتجارة الداخلية في ما بعد.

توسع في الدعم

وتقول الدراسة إن الحكومة المصرية توسعت في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، في تقديم الدعم بطرق متعددة، وكان في صدارتها ما عرف آنذاك بـ"الإصلاح الزراعي"، علاوة على توفير خدمات اجتماعية تتضمن الصحة والتعليم، وإصدار البطاقات التموينية للمرة الأولى لعدد محدود من السلع، بهدف توفير السلع الأساسية للمواطنين، كإجراء لمواجهة النقص فيها.

وتضخمت أعباء السفينة رويدًا رويدًا لتتخطى حاجز الـ20 مليون جنيه في عام 1970 بعد التوسع في قائمة السلع المدعومة، لتصل إلى 18 سلعة أساسية بعد ضم الفول، والعدس، والدجاج، واللحوم، والأسماك المجمدة، وللمرة الأولى دعمت الحكومة الكهرباء وخدمات النقل الداخلي، والبنزين، علاوة على أن الدعم خلال حقبة السبعينيات شمل جميع المصريين من دون تحديد فئة بعينها من المستحقين.

وفي عهد الرئيس السادات، ومع إعلان الحكومة قرارات رفع الدعم في يناير 1977، اشتعل الشارع المصري غضبًا بعدما رفعت الدولة يدها عن دعم السكر، والدقيق، والشاي، والأرز، وخرجت شريحة كبيرة من المصريين للاحتجاج في شوارع القاهرة عرفت إعلاميًا بـ"أحداث يناير" ما أجبر الحكومة على التراجع عن قرارات رفع الدعم.

مبارك جمد الدعم

وجمد الرئيس الراحل مبارك ملف إعادة هيكلة الدعم نهائيًا عندما تولى مقاليد الحكم، ولم تقترب الحكومة من هذا الملف على الإطلاق حتى اكتظت الموازنة المصرية بالديون والأعباء، مما دفعها إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في مطلع التسعينيات على تنفيذ برنامج أطلقت عليه "إصلاح نظام دعم السلع الغذائية"، خفضت تدريجيًا من خلاله عدد السلع المدعومة، التي بلغت نحو 20 صنفًا، فرفعت بذلك الدعم عن الأسماك، والدجاج، واللحوم، والشاي، والأرز، اعتبارًا من عام 1992، حتى وصل عدد السلع المدعومة في عام 1997 إلى أربع سلع فقط هي: الخبز البلدي، والدقيق، والسكر، وزيت الطعام، علاوة على تقليص عدد الأشخاص الذين يحملون بطاقات تموينية من مستحقي الدعم الغذائي قبل أن تنفذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، في عام 2016، لعلاج تشوهات منظومة الدعم كأحد الشروط التي اتفقت عليها القاهرة مع صندوق النقد الدولي لتهبط بالدعم السلعي خصوصًا الكهرباء والمياه ودعم المحروقات.

وأكد محللون أن الدعم السلعي أحد أبرز الملفات الشائكة التي تواجه الدولة منذ ستينيات القرن الماضي، فبعضهم بارك خطوات الدولة في علاج التشوهات، وآخرون أكدوا ظهور أعراض جانبية لهذا العلاج، في حين اعتبر رأي ثالث أن الطريق لا يزال صعبًا، وفقًا لـ"إندبندنت".

وقال رئيس قطاع البحوث بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، هاني جنينة، إن الحكومة "بدأت في التمهيد لإجراءات جديدة تخص ملف الدعم السلعي منذ يناير الماضي، عندما ألمحت إلى رفع الدعم عن رغيف الخبز"، لافتًا إلى أن هذا البند "لم يمس منذ أكثر من 30 عامًا نظرًا إلى الحساسية الشديدة في معالجته".

وأضاف، في تصريحات صحفية، أن "دعم رغيف الخبز أبرز البنود المتبقية من المنظومة، إلى جانب دعم الأسمدة للمزارعين والمحروقات بصورة تدريجية بعد التخلص من دعم الكهرباء والمياه"، مستدركًا، "لكن ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي يعصف بتلك النجاحات، علاوة على ارتفاع أسعار النفط والغاز والخامات والسلع الأساسية".

استبعاد فئات جديدة

قبل أيام، أعلنت وزارة التموين تنقيحًا جديدًا لمنظومة البطاقات التموينية بعد الإعلان عن استبعاد ثماني فئات من المنظومة بداية من مايو المقبل، وضمت تلك الفئات ملاك سيارات ملاكي موديل 2018 أو أحدث، إلى جانب أصحاب الشركات التي تبلغ قيمتها عشرة ملايين جنيه، إضافة إلى المواطن الذي يزيد راتبه الشهري على 9600 جنيه، إلى جانب المواطن الذي تصل قيمة ضرائبه 100 ألف جنيه فأكثر.

كما شمل القرار الأسر التي تدفع مصروفات مدرسية لأبنائها تصل إلى 20 ألف جنيه أو أكثر، وكذلك المواطن الذي تتخطى فاتورة الكهرباء الشهرية الخاصة بمسكنه مبلغ 800 جنيه، وملاك الأراضي الزراعية التي تبلغ مساحتها عشرة أفدنة، وأخيرًا أصحاب المناصب العليا والرفيعة في البلاد.

استنكار شعبي

وفي المقابل، عبر بعض المواطنين عن سخطهم ضد الاشتراطات الجديدة التي وضعتها وزارة التموين المصرية للبقاء ضمن منظومة البطاقات التموينية.

وقال أحمد حسن، موظف، لم يعد هناك عبارات لوصف الأوضاع في مصر، فنحن نسير من سيء لأسوأ، والحكومة قامت بالتضييق علينا شيئًا فشيئًا حتى قتلت الدعم في الكهرباء والغاز والبنزين والمياه وأنبوبة البوتاجاز، والبقية تأتي في الطريق، وليس مطلوبًا منا كمصريين إلا أن نؤدي صلاة الجنازة على المرحوم (يقصد الدعم).

ويقول تامر محسن، صاحب سيارة موديل 2019، إنه "ورث سيارته الحالية عن والده المتوفى قبل شهور قليلة"، مضيفًا "أعمل موظفًا بإحدى شركات القطاع الخاص، ولا يتخطى راتبي حدود الخمسة آلاف جنيه"، مشيرًا إلى أنه "يعتمد بشكل كبير على السلع التموينية التي يحصل عليها من خلال البطاقة لأسرته المكونة من ستة أشخاص". متسائلًا، "كيف يجري استبعادي بسبب السيارة التي ورثتها عن والدي؟".

وقالت إيمان سمير، ربة منزل، "الفواتير الشهرية للكهرباء تتخطى الـ1000 جنيه منذ عام تقريبًا بعد زيادة أسعار الشرائح المتتالية منذ أربع سنوات، لماذا أستبعد من المنظومة؟ على الرغم من أن التغير الذي حدث على فواتير الكهرباء ليس ذنبي بل ذنب الخدمة التي زادت شرائحها في ظل اعتماد أولادي على الوسائل التكنولوجية من إنترنت وغيرها لأكثر من 15 ساعة متفاوتة للدراسة التي من دون شك تحتاج إلى الكهرباء، هل من المعقول أن يرفعوا الشرائح والفواتير وبعدها يخرجوني من منظومة البطاقات التموينية، وأنا العائل الوحيد لأبنائي بعد زوجي المتوفى؟".

5.8 مليار دولار لدعم السلع

يبلغ الدعم السلعي في موازنة العام المالي 2021-2022 نحو 108 مليارات جنيه، يتوزع بين 87 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، و18 مليار جنيه للمحروقات، و665 مليون جنيه للمزارعين، و2.5 مليار جنيه لدعم الأدوية وألبان الأطفال، بينما تخلصت حكومة الانقلاب من دعم الكهرباء والمياه منذ عامين ليصبح صفرًا.

وقلصت حكومة الانقلاب الدعم السلعي بنحو 54% خلال خمس سنوات، إذ سجل في العام التالي لبدء تطبيق ما اطلقوا عليه برنامج الإصلاح الاقتصادي 232 مليار جنيه في العام المالي 2017-2018، قبل أن يتراجع إلى 108 مليارات جنيه في العام المالي الحالي، بعد أن خفضت مخصصاته تدريجيًا ليصل إلى نحو 191 مليار جنيه خلال عام 2018-2019، قبل أن تخصم نحو 90 مليار جنيه دفعة واحدة في العام المالي 2019-2020، ليسجل 101 مليار جنيه.

وعلى الرغم من الارتفاع الطارئ بسبب الجائحة العالمية في العام المالي الماضي 2020-2021 مسجلًا 114 مليار جنيه، عادت حكومة الانقلاب إلى خفض القيمة بنحو ستة مليارات جنيه خلال هذا العام.