لشهر رمضان الكريم مكانة خاصة في قلوب المسلمين، فهو الشهر الذي سماه الله تعالى في القرآن الكريم، وفيه نزل القرآن الكريم على النبي (صلى الله عليه وسلم) في ليلة القدر.

ولقد اعتاد الناس على الترحيب والتهنئة بمناسبة هذا الشهر فيقولون: "رمضان كريم" فما أصل هذه العبارة؟ وما أبرز أوجه الكرم في هذا الشهر الكريم؟ وما الفرق بينها وبين عبارات أخرى تقال في شهر الصيام؟

ما أصل عبارة "رمضان كريم"؟

كان النبي (صلى الله عليه وسلم)، في شهر رمضان، أجود بالخير من الريح المرسلة، ففي الصحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".

ويقول الدكتور ريحان، الخبير الأثري المعروف، إن حقيقة عبارة "رمضان كريم" ترجع لارتباط الشهر في تاريخ الحضارة الإسلامية بالكرم والعطاء من الخلفاء لشعوبهم وبين الناس أنفسهم في عدة صور، وفى مصر كان هناك باب بشارع المعز لدين الله الفاطمي يطلق عليه "باب الزهومة"، وهو أحد تسعة أبواب بالسور الذي كان يحيط بالقصر الشرقي الكبير الذي أنشأه جوهر الصقلبي قائد جيوش الفاطميين بمصر، كما جاء في دراسة للباحث الآثاري أبو العلا خليل.

ويرصد الدكتور ريحان – في حديثه لصحيفة الفجر - علاقة باب الزهومة بشهر رمضان، فيقول: كان يطلق على هذا الباب أيضًا باب الزَّفَر؛ لأن اللحوم وحوائج الطعام التي كانت تدخل إلى مطبخ القصر من هذا الباب كان يشتمها المارة، وكان يخرج من المطبخ المذكور مدة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان في كل يوم، يفرق على أصحاب الحاجات والضعفاء، ويشغل موقع هذا الباب حاليًا بشارع المعز لدين الله قاعة الحنابلة بالمدرسة الصالحية التي أنشأها الصالح نجم الدين أيوب.

ما أوجه الكرم في رمضان؟

لقد تعددت أوجه الكرم والسخاء والجود في هذا الشهر، كما يقول الباحث نور الدين قلالة، ومن هذه الأوجه:

  1. كرمه في فرحة استقباله، فرمضان شهر الفرح فالفرح هو لذة تقع في القلب عند إدراك المحبوب فينتج عنه حالة من السرور والفرح.
  2. عظمة الصوم والجزاء، فرمضان كريم في عطاءه، قال رسول الله من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر.
  3. رمضان كريم فيه عبادة وهي عبادة الصوم لا يعلمها أجرها إلا الله، حيث قال تعالى في حديث قدسي "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وانا أجزي به".
  4. رمضان كريم بالمساجد فهي عامرة بالمصلين في رمضان.
  5. منزلة رمضان، فرمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم أعظم الكتب السماوية.
  6. أعظم كرم من الله لهذا الشهر ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر.
  7. رمضان كريم بالطاعات وكثرتها والمنح التي منحها الله للمسلمين في هذا الشهر.
  8. رمضان كريم ملايين بل مليارات من الحسنات تستطيع أن تحققها فالحسنات تتزايد وتتضاعف ولا تنسى.
  9. رمضان كريم بين الناس، فلا تجد فقيرا يعاني في هذا الشهر الذي تكثر فيه الصدقات ويزيد التآلف بين الناس وتكثر مساعدة الناس لبعضهم.
  10. ليس من كرم هذا الشهر المعاصي، بل الطاعات والعادات التي لا تعارض الشرع. فكرمه من كرم الله لقد منح الله هذا الكرم ليصبح رمضان كريم فمن أسماء الله الحسنى الكريم.

وعموما فقد مُنح هذا الشهر صفة الكرم لأنه شهر كل الكرم والصوم والمنح و العطاء وشهر الجود والخير والصدقات.

"الكريم" في القرآن الكريم

ولعل قول "رمضان كريم" يأتي من قبيل أن الكثير يعلم جواز نسبة الشيء إلى سببه، سواء كان جمادا أو حيوانا أو إنسانا، والله سبحانه من وراء الأسباب كلها فهو مسببها، وهذه أمثلة من آيات قرآنية تدل على كلمة "كريم":

"قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ" (النمل:29)

"وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ" (الشعراء:58)

"أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" (الشعراء:7)

"وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ" (الواقعة:44)

"فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" (الحج:50)

"إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" (يّـس:11)

"مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" (يوسف:31)

"وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ" (الدخان:17)

ويرى الكثيرون أن قول كلمة "رمضان كريم" تعني أن رمضان كريم في كل شيء، وأنه كريم لأن عطاءه لا ينفذ، فهو منحة من الله تعالى.

هل يجوز أن نقول رمضان كريم؟

يقول العلماء: لا حرج في قول "رمضان كريم"؛ إذ لم يرد نهي عن ذلك، كما أن إطلاق صفة الكرم على رمضان لما فيه من تفضّل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم من الخير والبركة ومضاعفة الأجر، ونسبة الشيء إلى سببه جائزة، كما قال الله تعالى: "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ" "النمل: 29)، وقال تعالى: "وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ" (الدخان: 17).

وفي اللغة يراد بالكرم: "شَرَفٌ في الشَّيء في نفسِه، أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق، يقال: رجلٌ كريم، وفَرَسٌ كريم، ونبات كريم، وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرُمةٌ للنَّبات: إذا كانت جيِّدة النبات" (معجم مقاييس اللغة، لابن فارس)، وأي شهر أشرف من هذا الشهر الفضيل!!

فلا حرج في إطلاق "رمضان كريم"، والتهنئة بهذه العبارة، ولا نرى دليلاً لمن يمنع ذلك. والله تعالى أعلم

هل نقول "رمضان كريم" أم "رمضان مبارك"؟

يرى الكثيرون أن هناك اختلاف طفيف في المعنى بين الجملتين: "رمضان كريم" و"رمضان مبارك"، ولكن يقال إن كلاهما يهنئ المسلمين بقدوم شهر رمضان، والفرق بينهما يبدو على النحو التالي:

رمضان كريم: تعني أن الشخص المسلم يعني هذا الشهر الكثير من الكرم من حيث الفضائل والمكافآت والمكافآت.

رمضان مبارك: عبارة عن دعاء للمسلم أن يجلب له شهر رمضان البركات والكثير من الخير في أيامه وليالي الشهر.

وقال أهل العلم إن عبارة رمضان كريم من العبارات التي يكثر تداولها بين الناس في شهر رمضان وهي جملة خبرية، ولعل قائلها يقصد بها الدعاء فكأنه يدعو لغيره بأن يكون رمضان شهر كرم وبركة عليه، ويمكن أن يقصد بها الإخبار على حقيقته، ويكون معناها الإخبار عما يحصل من تفضل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم، وهذا في الأصل لا مانع منه ولا محذور فيه، بينما لا يجوز قولها إذا كان المسلم يعتقد بأنّها مشروعة في شهر رمضان.