لم يزر الأسد طوال الحرب في سوريا منذ بدايتها في 15 مارس 2011 إلا دولتين، روسيا وإيران، اللتين ساعدتاه على مواجهة المعارضة السورية والاحتفاظ بالسلطة في سوريا، بعد أن كادت قوات المعارضة تُطيحه في عام 2013، ثم في عام 2015، في وقت كانت فيه الدول العربية الفاعلة تقف ضده، ويدعم بعضها المعارضة، بعد أن جمّدت الجامعة العربية عضوية دمشق فيها.

التقى ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الرئيس السوري بشار الأسد، الجمعة، في أول زيارة للأسد إلى دولة عربية منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

 

معالم الزيارة

يقول الكاتب الصحفي وليد شقير: هناك 4 ملاحظات في الزيارة لم ينتبه إليها الكثير من المحللين أو وسائل الإعلام:

أولًا - الزيارة لم تكن رسمية، بل كانت أشبه بالزيارة الشخصية، إذ غابت مظاهر الاستقبال الرسمي في المطار، أو أي بروتوكولات يتم اعتمادها في مناسبات كهذه.

ثانيًا - الطائرة التي أقلّت الرئيس السوري كانت إماراتية، ولم تكن رئاسية سورية.

ثالثًا - اللقاءات التي نشرت صور لها لم تكن في إطار مقار رئاسية، ولم تظهر على أنها حصلت في المقار التي يتم استقبال رؤساء الدول فيها، بل بدت كأنها في مكاتب خاصة، أو في استراحات.

رابعًا - لم يعلن عن الزيارة قبل أو أثناء حصولها، بل على أثر انتهائها وعودة الوفد السوري إلى دمشق.

إذًا فاستقبال الإمارات للأسد وهو المسئول عن قتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين قبل الحرب، والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف رجل وامرأة وطفل سوري، يجعلنا نتأكد من أن الزيارة لها أهداف خاصة ربما تتكشف لنا فيما بعد.

ويمكننا أن نغربل الزيارة والأهداف التي أعدت لها وتوقيتها المتوافق مع الثورة السورية، فيما يتاح لنا من معلومات.

 

الحضن العربي

وتعتبر زيارة الأسد إلى الإمارات، الأحدث في سلسلة من المبادرات الدبلوماسية التي تشير إلى إحياء عدد من الدول العربية علاقاتها مع الأسد، وما سمي "عودة سوريا إلى الحضن العربي".

تقترب سوريا مجددًا، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي كرست حكم بشار الأسد، من العودة إلى المحيط العربي المتمثل بجامعة الدول العربية. وكان في هذا الإطار موقف للإمارات، دعت فيه باسم وزير خارجيتها إلى "فك قانون قيصر لأنه يعطل عودة سوريا إلى حاضنتها العربية"، وفقًا لـ"فوربس".

كان محققون أمميون، حذروا مؤخرًا من أن تصاعد العنف في سوريا إلى جانب انهيار اقتصادها، يجعل الآفاق تزداد قتامة بالنسبة للمدنيين، في وقت يكافح 12.4 مليون شخص داخل سوريا لإيجاد طعام يسد رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي.

يقدر إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بأكثر من 442 مليار دولار في 8 سنوات فقط من الحرب، وفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2020.

 

شرعنة الأسد

نشرت الصانداي تليغراف تقريرُا لفريق المراسلين الدوليين، بعنوان "الولايات المتحدة محبطة بشدة لاستقبال الأسد في الإمارات".

يقول التقرير إن الولايات المتحدة انتقدت استقبال الإمارات الرئيس السوري، بشار الأسد، واعتبرت أنه "شرعنة" للأسد، الذي يقوم بأول زيارة له، لدولة عربية، منذ بداية الحرب المدمرة التي تشهدها بلاده، وفقًا لـ"BBC".

وينقل التقرير عن ند برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، قوله إن الزيارة المفاجئة التي أجراها الأسد للإمارات الجمعة "أحبطت بشدة" الولايات المتحدة، وطالبت واشنطن حلفاءها بعدم تطبيع العلاقات "مع النظام المتهم بارتكاب مجازر بشعة".

ويشير التقرير إلى أن الإمارات أعادت فتح سفارتها في سوريا نهاية عام 2018، في محاولة لإعادة تقديم الأسد للدبلوماسية العربية، كما طالبت الإمارات العام الماضي، بعودة سوريا، إلى جامعة الدول العربية، التي علقت عضوية دمشق.

ويختم التقرير بالقول إن الإمارات تستضيف على أراضيها، قوات أمريكية، كما أنها حليف استراتيجي، لواشنطن، منذ عقود طويلة، لكن علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا تتزايد مؤخرا، كما أنها رفضت التصويت في الأمم المتحدة، ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، مؤخرا (نهاية تقرير الصانداي تليغراف) وفقًا لـ"CNN".

تأييد روسيا

وتشير الزيارة، التي جاءت بعد يوم واحد من لقاء وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، نظيره الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة الروسية موسكو، في ظاهرها إلى عودة دفء العلاقات بين سوريا والإمارات التي قطعت روابطها مع دمشق في فبراير 2012.

وليس بخاف على أحد موقف رأس النظام السوري مما تقوم به روسيا، فقد قال الأسد إن "ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة التوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي".

ونقلًا عن صحيفة الغارديان البريطانية، يزعم مسؤولو استخبارات أوروبيون أن جيش بشار الأسد أطلق حملة تجنيد للقتال مع القوات الروسية. وأن أولى القوات السورية التي تنضم إلى صفوف بوتين - وهي قوة متقدمة قوامها 150 جنديا - وصلت إلى روسيا يوم الخميس. وتعتقد المخابرات العسكرية الأوكرانية إنهم طليعة ما يمكن أن يكون أكبر قوة مرتزقة مدعومة من الدولة في العالم، وفقًا لـ"BBC".

ويرى البعض أن أي تحسن في العلاقات السورية، حتى إن كان تدريجيا، مع دولة خليجية ثرية سيكون بمثابة دفعة لحكومة الأسد، التي أعاقتها العقوبات الغربية والعزلة الدولية.

 

إعمار سوريا

كان هناك تحرك عماني في شهر يناير 2022 تجاه دمشق، والسبب كما يراه الكاتب الصحفي وليد شقير قد يكون "محاولة إقناع الأخيرة لطهران والحوثيين بوقف اعتداءاتهم على السعودية والإمارات، ولم يُعرف ما إذا كان وقف إطلاق الصواريخ على أبو ظبي ودبي حصل منذ حينها بفعل وساطة سورية في هذا السياق، إذ إنها استمرت ضد السعودية وحدها.

ويرى كثير ممن يتابعون التوجهات الأمريكية والأوروبية في العلاقة مع إيران، مصدر الشكوى الرئيس من قبل دول الخليج بفعل تدخلاتها والحروب التي تفتعلها في المنطقة، ولا سيما في اليمن، أن المراهنة على جذب سوريا بعيدًا عنها باستعادتها إلى الحضن العربي تستحق المحاولة. فالأسد يحتاج في المقابل إلى مساعدة دول الخليج المالية على المدى القصير، من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا منذ سنتين، وعلى المدى الطويل من أجل إعادة إعمار البلد المهدم، لا سيما أن المساعدات الدولية ستتقلص على الصعيد العالمي بعد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي.

 

السبب الخفي

الغموض حول زيارة الأسد إلى الإمارات قاد بعض الأوساط إلى التفتيش عن سبب خفي، وذكر موقع "شفاف" الإخباري أن الرئيس السوري التقى في دولة الإمارات شخصية إسرائيلية هي وزير الخارجية يائير لبيد، وبوساطة إماراتية، إلا أن هذا الخبر بقي يتيمًا لم يجد من يؤكده، في وقت اعتبر فيه من شككوا بصحته أنه بعيد من الواقع، فلو كانت هناك من قنوات بين سوريا وإسرائيل، فإن موسكو هي التي تتولاها وليس أبو ظبي.