نافذة مصر / اليوم السابع

مالي مثل باقى الدول الأفريقية التى تعيش فى منظومة متكاملة من الفساد والجهل والتطلع إلى التقليد الأعمى للأخر وأمريكا تدعوا لضغط عن طريق الحوار وفرنسا تتمسك بالحرب لسرقة اليورانيوم

أعدت الكاتبة عبير الفقى، باحثة سياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، بحثا بعنوان "أزمة مالي والوجود الفرنسي.. الاستعمار فى شكله الجديد"، نشره موقع اليوم السابع حيث سردت الباحثة رحلة الحركات المسلحة فى الدول الأفريقية ومنها مالى وارتباط معظم تلك الحركات بنظام العقيد الليبى الراحل معمر القذافى، كما تطرقت إلى المواقف الإقليمية والدولية من الانقلاب العسكرى فى مالى، فضلا عن الأسباب الداعية للتدخل الفرنسى فى مالى.

فى البداية، تؤكد الدراسة أن الأزمات التى عانت منها دولة مالى سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى ليست بالأمر الجديد أو المختلف، فهى مثل باقى الدول الأفريقية التى تعيش فى منظومة متكاملة من الفساد والجهل والتطلع إلى التقليد الأعمى للأخر، ثم ازداد الوضع سوءا، تأثرا بما حدث من ثورات الربيع العربى فى شمال أفريقيا، خاصة فى دولة ليبيا وانهيار نظام القذافى نتيجة لارتباطه بالعلاقات ودعمه وتمويل الكثير من الحركات المسلحة فى الدول الأفريقية ومنها مالى، حيث شرعت العديد من الحركات المسلحة التى كان يحتضنها نظام القذافى بعد انهياره فى بوتقته إلى العودة لمالى وخاصة ممن ينتمون لقبائل الطوارق التى تتوطن فى كل من شمال مالى والنيجر وغرب ليبيا وجنوب الجزائر قرب تمنراست وجانت وإليزى، إلاّ أن الوضع لم يقتصر على الطوارق وحدها بإقليم شمال مالى وإنما تعددت الحركات المسلحة واختلفت أهداف كل منها وازداد الأمر تعقيدا.

المواقف الإقليمية والدولية من الانقلاب العسكري في مالي

 

توحدت ردود الفعل الإقليمية والدولية تجاه الانقلاب العسكرى فى مالى مظهره رفضها للانقلاب العسكرى على النحو التالى..ومنها

المواقف الإقليمية

 

أعلن الاتحاد الأفريقى تجميد عضوية مالى على إثر الانقلاب، كما أدانت الجزائر الانقلاب العسكري معتبرة استخدام القوة والعنف مخالفة واضحة للدستور، بينما اكتفت وزارة الخارجية المغربية بإعلان رفضها الاستيلاء على السلطة بالقوة فى مالى

وأدانت موريتانيا الأحداث التى وقعت فى مالى داعية كافة القوى فى مالى إلى تضافر الجهود ووحدة الصف من أجل تجاوز المحنة والعمل على استرجاع النظام الدستورى والسلم الاجتماعى والوئام الوطنى.

المواقف الدولية

دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تجاوز الضغوط عن طريق الحوار وليس من خلال العنف، وطالبت بالعودة الفورية للنظام الدستورى المالى، فيما دعت فرنسا إلى احترام النظام الدستورى ونددت باللجوء إلى العنف وإجراء الانتخابات فى أسرع وقت ممكن.

كما أدان الاتحاد الأوروبى الانقلاب العسكرى المالى وطالب بعودة السلطة الدستورية فى أقرب وقت ممكن، وكذلك أدانت الخارجية الألمانية الانقلاب العسكرى فى مالى ووصفته بأنه غير دستورى ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن المزيد من العنف والعودة للنظام الدستورى فى مالى.

وعلى الرغم من أن قادة الانقلاب سلموا السلطة رسميا فى الثانى عشر من الشهر الماضى، إلا أنهم ما زالوا يسعون إلى القبض على بعض الموالين للرئيس المخلوع، كما رصدت الدراسة، وهو ما دفع الأخير إلى اللجوء إلى السنغال المجاورة، كما أنهم ما زالوا يتمتعون بالنفوذ، وهو ما يظهر فى معارضة أى محاولة لإرسال قوة حفظ سلام إلى مالى، فى ظل تلك الأوضاع ظهرت العديد من التوقعات باستمرار القتال فى مالى.

الاحتجاجات

 

لم يقتصر الأمر على مواجهة الجيش للحركات المسلحة فى الشمال ولكن امتدت القلاقل إلى العاصمة بامكو، حيث احتج آلاف الماليين فى العاصمة باماكو، منددين بسلطة الانقلاب ومطالبين بعودة النظام الديمقراطى إلى البلاد وسط تهديدات من قبل المجلس العسكرى بضبط الأعصاب من قبل المواطنين وعدم المشاركة فى التظاهر يوم الاثنين 26 مارس الذى يصادف الذكرى ال21 للانقلاب الذى قام به حامادو تومانى تورى

فى ظل هذه الفوضى، أعلن متمردو الطوارق فى 23 مارس سيطرتهم على "أنفيس" التى تقع على الطريق السريع بين جاو وكيدال فى شمال مالى مستغلين خلو المدينة من القوات الحكومية وانشغالها بالاضطرابات الحاصلة فى باماكو وبينت مصادر إخبارية بأن مقاتلى الطوارق زحفوا صوب الجنوب لاحتلال المواقع التى جلت عنها القوات الحكومية، ثم أعلنوا مساء يوم السبت 24 مارس عن قرب إعلانهم السيطرة الكاملة على كيدال إحدى مدن شمال شرق مالى فيما أعلن المجلس العسكرى ورئيسه أمادو سانوغو أن الجنود تمكنوا من إيقاف الطوارق ومنعهم من السيطرة.

الأسباب الداعية للتدخل الفرنسى فى مالى

ظل الأمر فى مالى مقتصرا على اضطرابات داخلية بالبلاد بسبب فساد الحكومة والنظام بها، إلا أن الانقلاب الذى قاده النقيب أمادو سانوغو، كشف عن حجم فساد النظام، وعجز الجيش الذى غض الطرف عن تهريب الكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية، وسمح للكتائب التابعة لتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى بالسيطرة على الجزء الصحراوى من البلاد، حيث تتكاثر عمليات خطف الأجانب والتى أصبحت مصدر للربح للعديد من الحركات والتنظيمات وأولها تنظيم "القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى"، حيث مثلت عمليات خطف الأجانب وطلب الفدية لهم مصدرا كبيرا للإثراء، فى ذات الوقت تعلن عن نفوذهم بالمنطقة.

لم تكن هذه العوامل التى سبق إيضاحها دافعا لأى من الأطراف الدولية وبالخصوص فرنسا على التدخل فيما يحدث فى مالى، وهو ما يطرح العديد من الشكوك والتساؤلات عن الأسباب التى دعت دولة مثل فرنسا (المعروفة باحتلالها سابقا لمالى بالتحديد باماكو) لاتخاذ قرار للتدخل العسكرى فى مالى مكلل بالتأيد الدولى ؟

تدخل فرنسى يحمل راية الشرعية ظاهره فيه الرحمه وباطنه من قبله العذاب

وتوضح الدراسة أن فرنسا حملت لافتة الدعوة الشرعية للتدخل فى مالى بغرض مساعدتها فى صيانة وحدة البلاد المعرضة للخطر على يد المنظمات الإسلامية الانفصالية فى الشمال، والخوف من تشكيل كيان مسلح متطرف يعرض وحدة مالى إلى التفتت، وتتمدد تأثيراته إلى الدول المجاورة فيعرض أمنها واستقرارها للخطر، مع إمكانية زيادة طموح المجموعات المسلحة لتكون بؤرة تشكل ملاذا آمنا للتشدد والتطرف فى المنطقة، وبالتالى يمتد خطرها إلى أوسع من الدائرة الحالية،

إلا أن واقع الأمر يدعو إلى التشكك فى هذا النية الفرنسية تجاه التدخل فى مالى، حيث إنه من الواضح أن الهدف الفرنسى ليس حل الأزمة القائمة فى مالى إذا أنها لو كانت تسعى إلى الحل فقد كانت هناك الفرص لتقديم الدعم لتحركات الايكواس فى هذا الاتجاه، حيث سبق للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أن أعلنت استعدادها لنشر 3300 مسلح فى مالى لطرد المقاتلين المسلحين ولإصلاح جيش البلاد ثم دعم العمليات لاستعادة شمال البلاد من المسلحين الإسلاميين، غير أن تلك الخطة لم تحظ بتمويل دولى، وفى حين بدت فرنسا أكثر الدول رغبة فى قيام عمل عسكرى للتعامل مع الجماعات المسلحة، وأبدت الولايات المتحدة والأمم المتحدة قلقهما، وقالتا إن الخطة التى وصفتاها بالمعقدة تفتقر إلى التفاصيل اللازمة.

ويجئ التدخل الفرنسى فى ظل اتخاذ الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، قراره ببدء التدخل العسكرى فى مالى فى إطار ما عرف بحملة "القط المتوحش" يوم الجمعة 11 يناير 2013 استجابة لطلب رسمى من الرئيس المالى، ولدرء المخاطر التى تهدد السكان فى مواجهة القوى الإسلامية المتشددة المسيطرة على ثلثى البلاد، والتى باتت تهدد العاصمة المالية باماكو، نقطة تحول حقيقية فى الأزمة المالية، ومن أهم القرارات التى اتخذها هولاند منذ وصوله إلى السلطة

وبالتالي فإن الأسباب الحقيقية وراء تلك الحرب المفتعلة  والغير مبررة ضد مسلمي مالي  وكان أهمها الغزو الحقيقي لمقدرات وثروات مالي الطبيعية بعد التدهور اللإقتصادي الذي تشهده أوربا ومنها فرنسا  ولا سيما أن  الذهب والفوسفات، والكاولين (صلصال نقي أبيض، عادة، يستخدم في صناعة الخزف الصيني)، والملح، والحجر الجيري، واليورانيوم، والجبس، والجرانيت، والطاقة المائية. من أهم الموارد الطبيعية في مالي والتي تسعي فرنسا لسرقتها والانقضاض عليها  

كما اكتُشفت حديثاً في الأراضي المالية، خامات البوكسايت، والحديد، والمنجنيز، والقصدير، والنحاس؛ ولكنها لم تستغل بعد... أغلب هذه الموارد تقوم باستغلالها شركات فرنسية إذ تحول مباشرة إلى فرنسا بأثمان زهيدة ومقابل اتفاقيات سخيفة كاتفاقية مقاومة التصحر و حماية طبقة الأوزون ... إلخ

لكن مع قدوم الإسلاميين إلى السلطة أصبحت المصالح الفرنسية في خطر كبير و هو ما استوجب تدخل عسكري عاجل من أجل وضع قيادة جديدة تضمن المصالح الفرنسية في مالي ... و كل الإدعاءات الفرنسية بكون العملية تهدف إلى تحرير رهينة فرنسية لا تتعدى كونها محض هراء سياسي و تعليلات واهية لتبرير الموقف.