في ظل اختلاط الأنظمة التربوية، وانعدام الاهتمام بالأساليب والطرق والفروقات الفردية والمجتمعية، أصبح التعامل مع موضوع #التربية يسير بعشوائية هدّامة، ففي حين أنه يجب أن يقف كل والدين يرزقان بطفل وقفة طويلة قبل أن يبدآ بتنشئته؛ ليحددا معًا الأسس المناسبة والطرق الإيجابية بدلًا من ترك الأمر للصدفة والارتجال.

(لاري جي. كوينج) مؤلف كتاب التربية الذكية، وهو كتاب مهم جداً لأي والدين يريدان تنشئة ذريتهما بطرق فاعلة تضيف إلى الحياة الكثير، والذي يسلط الضوء فيه على فكرة وجود مناطق التميز لدى أي مولود بالعموم، لينفي بتلك الفكرة الاعتقاد السائد لدى الأغلبية، بأن الجميع عاديون أو أقل، وأن من يمتلكون المواهب العظيمة هم ندرة، أما النسبة الكبرى فهي لهؤلاء أصحاب القدرات العادية والمهارات المتواضعة التي بالكاد تعينهم على العيش.

وحسب رأيه فإن #الأطفال الذين يتمتعون بمواهب في مرحلة مبكرة قد اكتشفوا فعليًا منطقة #التميز التي لديهم، ويعملون على استغلالها بأفضل شكل يعطي نتائج مبهرة في مستقبلهم، ولعل ما يلفت الانتباه فعليًا لدى أفراد هذه الفئة أنهم عندما ينسجمون مع مواهبهم وينشغلون بها يصبح العالم خارجها بالنسبة إليهم لا يعني الكثير.

الأطفال الذين يتمتعون بمواهب في مرحلة مبكرة قد اكتشفوا فعليًا منطقة التميز التي لديهم، ويعملون على استغلالها بأفضل شكل يعطي نتائج مبهرة في مستقبلهم
يشير كوينج إلى أن سبب هذا الانخراط الكامل مع الموهبة هو أن أجسادهم تفرز مادة تسمى «الإندروفينات»، والتي تولّد النشوة واللذة المصاحبتان لممارسة المواهب والهوايات الخاصة، وللأسف، فقلّة من يكتشفون مناطق تميزهم، وأقل منهم من يستثمرون تلك المواهب ليصبحوا سعداءً، وناجحين؛ فأغلب الناس يسيرون وفق آمال الآخرين وتوقعاتهم وقوانين الحياة العشوائية، ثم يلقون بأنفسهم للريح حتى يجدوا أنفسهم أسرى لأحد الاحتمالات التالية:

• ارتكاب الأخطاء لدرجة الإحساس بالإحباط والحرج.
• التعرض المستمر للنقد.
• مقارنتهم بمن يحقق المستويات العليا دومًا.
• التعليقات السلبية.
• نفاد الصبر واليأس سريعاً.

وتكمن خطورة هذه الاحتمالات في تسببها لاحقًا بإضعاف #الموهبة والهواية، بل قتلها أحيانًا، حتى يخلص الشاب أو الناشئ إلى دوامة البحث عن منطقة تميز جديدة يستطيع إيجاد معنى لحياته من خلالها، لكنه وللأسف يعود إلى خط سير الأغلبية المبني على الانقياد إلى رغبات الآخرين، وتوقعات كبار العائلة، والوظائف الشاغرة، وحاجة السوق، فيدرس تخصصاً مطلوبًا، يدر المال الوفير ويحقق الوجاهة والمكانة الاجتماعية.

ولذلك لا تبقى في مضمار التميز إلا قلة قليلة ممن يملكون الشجاعة والقدرة على المغامرة والمخاطرة ببعض ما يملكون لكنهم يقطعون دروباً وعرة ويجتازون اختبارات حقيقية، إلى أن هذه القلة أيضاً لا ينجحون جميعًا في اكتشاف نقطة التميز واستغلالها كما يجب، ليكتشف أغلب سكان العالم لاحقًا أنهم غير سعداء... والسبب الأول والأخير، هو: أسلوب التربية!

والفرق بين حال هؤلاء، وحال من يكتشف «مناطق التميز» باكراً ويعمل عليها، هو أن الأخير يظهر عليه الإصرار الهائل، والتحمس، ويمتلك القدرة على التركيز، ويستطيع مواجهة التحديات، ويعمل على تطوير المهارات، وشحن الطاقة، وتكوين العلاقات الاجتماعية المثمرة.

من يكتشف «مناطق التميز» باكراً ويعمل عليها، يظهر عليه الإصرار الهائل، والتحمس، ويمتلك القدرة على التركيز، ويستطيع مواجهة التحديات، ويعمل على تطوير المهارات، وشحن الطاقة، وتكوين العلاقات الاجتماعية المثمرة
وحتى يستطيع المربي أو الوالدان اكتشاف مناطق التميز يمكنهم مطالعة النماذج والاختبارات المتخصصة، للربط بينها وبين المهن والمجالات الوظيفية، فمثلًا:

- التميز في التعامل مع الناس: فالموهوبون في هذا الجانب لديهم قدرة فريدة في التعرف على الحالة المزاجية للآخرين، ومعرفة نواياهم وعواطفهم وطبيعة شخصياتهم. وأفضل المجالات لعملهم، هي: إدارة الندوات واللقاءات، التدريس، التدريب، الإشراف، البيع.

- التميز الجسدي: ويعني الأداء الجسدي الجيد، والتنسيق بين حركات اليد ونظرات العينين. ومن المجالات المناسبة لمن يظهر عليه مثل هذا التميز: تنظيم الألعاب الرياضية، التمثيل، الأعمال الحرفية اليدوية كالتركيب، التصليح، الترميم، النجارة... وغيرها.

- التميز في استخدام الكلمات: ويبنى على فهم مدلولات العبارات ومعرفة مغازيها، والموهوبون فيه هذا المجال، تناسبهم المجالات الوظيفية التالية: التفاوض، الكتابة، وتوجيه التعليمات.

- التميز في فهم الانفعالات والجوانب الروحية: كالقدرة على سبر أغوار النفس الخفية والتأمل العميق. ويمكن للمتميزين في هذا الجانب تقديم المشورة وحل المشكلات، وذلك وضع الأهداف والتخطيط والتنظيم والتقييم، بالإضافة إلى الكتابة.

- التميز في تكوين الصور: يظهر الموهوبون في هذا الجانب قدرات في تحويل الأفكار إلى صور، وفي تخيل الفضاء الثلاثي الأبعاد. والمجالات الأفضل لهؤلاء: الملاحة ووضع الخرائط، تدريس الهندسة، التصميم، الدعاية والإعلان، الاختراع.

- التميز في النواحي المنطقية: كالمهارة في التعامل مع الأرقام ومع القضايا المنطقية، وفي وضع الافتراضات والتفكير على أساس الأسباب والنتائج. ويناسب أصحاب هذا التميز التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي، واستخدام الإحصاء، والمحاسبة.

ويتكون برنامج «التربية الذكية» الذي يقترحه كوينج من شقين:
- الأول/ يتمثل في القواعد العامة، وعواقب المخالفة.
- الثاني/ يتمثل في غرس المعتقدات الإيجابية.

فالأطفال الذين لديهم أفكار ومعتقدات إيجابية عن أنفسهم يتصرفون بطريقة أفضل من أولئك الأطفال الذين يحملون أفكارًا ومعتقدات سلبية عن أنفسهم. ولمنح الوالدين فرصة التدخل في تكوين معتقدات الطفل عن نفسه (إضافةً وأخذًا)، يراعى التسلسل التالي:

الأطفال الذين لديهم أفكار ومعتقدات إيجابية عن أنفسهم يتصرفون بطريقة أفضل من أولئك الأطفال الذين يحملون أفكارًا ومعتقدات سلبية عن أنفسهم
1. جمع المعتقدات: يقوم الطفل بجمع معتقدات عن نفسه من الوالدين والإخوة والمعلمين والأصدقاء... وتبدأ في سن مبكرة، وتستمر طوال الطفولة، وقد تتعداها إلى مرحلة النضج.
2. التوصل إلى النتائج إيجابية كانت أم سلبية.
3. البحث عن دلائل تدعم ما توصل إليه من استنتاجات.
4. مخاطبة الذات؛ لتقوية النتائج كي تتحول هذه النتائج إلى معتقدات راسخة، تحكم حياة الطفل بعد ذلك تلقائيًا.

فبعض الأساليب التربوية المتوارثة لدى الوالدين، خطرة، وخصوصًا تلك التي تنطلق من فلسفة أنه لابد من مرشد يدلّ الأبناء على عيوبهم، وأن نقد الأبناء الدائم سيؤدي إلى التحفيز على التغيير للأفضل، وأن القسوة عليهم هي في حقيقتها دفع إلى فعل الأصوب، وتكمن خطورتها في أن يصدق الابن ما يخبره والداه عنه فيتصرف طبقًا له. وعوضًا عن ذلك يقترح المؤلف طريقة حيوية تقوم على خطوات ثلاث:

- تمرير المعلومات الإيجابية إلى الطفل عن طريق الحوار المباشر. ويفضل اقتناص ساعة قبل النوم مباشرة، لأن الكلمات سوف ترحل إلى ذهنه وتتردد مرات ومرات قبل استغراقه في النوم.

- التحدث مع شخص آخر عن إيجابيات الطفل، والحرص على أن يصل هذا الحديث إلى الطفل بشكل غير مباشر.

- تدوين المعلومات الإيجابية التي يرغب الوالدان أن يتصف بها الطفل على ورقة تلصق في مكان ظاهر في أنحاء البيت.