لا تزال الوزارة رغم فشلها ورغم تدهور الأحوال العامة في مصر متمسكة بالبقاء، ولا يزال المجلس العسكري متمسكا بها رغم رفض جميع لجان مجلس الشعب التسع عشرة لجنة لبيانها، مع أن الصالح العام يقتضي إسناد تشكيل الوزراة للحزب الذي اختاره الشعب أغلبية أصواته، لا سيما وأن هذا الأخير ينوي تشكيل وزارة إئتلافية من معظم القوى التي نجحت في البرلمان.
كما أن قرار النيابة العامة تحويل 75 شخصا إلى محكمة الجنايات بتهمة الاشتراك في قتل ضحايا إستاد بورسعيد وإصابة آخرين، من المتهمين تسعة أشخاص من كبار ضباط الشرطة يعتبر نقطة تحول في مسار التعامل مع الكوارث المتلاحقة التي شهدناها في الفترة الأخيرة .
إضافة إلى حادثة ضبط ضابط من الأمن الوطني (مباحث أمن الدولة سابقا) يحرض عمالا متظاهرين أمام البرلمان على اقتحامه تمثل هي وقرار النائب العام بتحويل 9 لواءات من كبار ضباط الداخلية دليلا كاشفا على إحدى فئات (الطرف الثالث) المجهول الذي كانت تنسب إليه الكوارث فيما مضى .
وعلى المستوى الإقليمي فتأتي الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة وقتل وإصابة عدد كبير من أهلها وتدمير عديد من منشآتها غداة عودة قادة الكيان الصهيوني من أمريكا واستشعارهم للتأييد المطلق من الرئيس الأمريكي معبرة عن انعدام احترام البلدين لحياة الإنسان وكرامته وحقوقه فردا ومجتمعات، يؤيد ذلك جريمة قتل جندي أمريكي من قوات الاحتلال في أفغانستان لستة عشر مواطنا أفغانيا في منتصف الليل، إضافة لجريمة الجنود الأمريكيين بحرق المصحف الشريف في أحد معسكراتهم في عدوان سافر على الإسلام ومقدساته .
والإخوان المسلمون يشرحون رأيهم في هذه الأحداث فيما يلي :
أولا : الشأن الداخلي :
· أثبتت وزارة الدكتور الجنزوري فشلا ذريعا في إدارة البلاد حيث وقعت كوارث فادحة لو حدث ما هو أقل منها بكثير في أي بلد ديمقراطي لاستقالت الوزارة على الفور، منها كارثة استاد بورسعيد حيث قتل خمسة وسبعون شخصا وجرح المئات، كما وقعت مصيبة سفر المتهمين الأجانب في قضية التمويل الخارجي، الأمر الذي مرغ الكرامة الوطنية في الوحل وأساء إلى استقلال القضاء، وأثبت أن الأجانب يعاملون في مصر أفضل من أهلها، وتم التفريط في السيادة بالسماح للأجانب بالتدخل في الشئون الداخلية.
وحينما أبدى حزب الحرية والعدالة استعداده لتشكيل حكومة جديدة تستند إلى الشرعية الشعبية وتأتلف مع بقية القوى الممثلة في البرلمان وبالتالي تكون حكومة قوية حازمة تُعمل القانون على الجميع، ويكون ولاؤها للشعب الذي اختارها وتقدم مصلحته العليا على كل المصالح .
وحتى حينما قدمت الحكومة بيانها لمجلس الشعب رفضت اللجان النوعية التسع عشرة هذا البيان بالإجماع وكان المفروض أن تقدم استقالتها، ورغم ذلك فلا تزال هذه الحكومة تتمسك بمواقعها يساندها في ذلك المجلس العسكري متعللين في ذلك بأن الإعلان الدستوري لا يسمح لمجلس الشعب أن يسحب الثقة من الحكومة، ورغم عدم صحة هذا الكلام، فإنه يبدو أن الصالح العام ليس له اعتبار في القضية، إضافة إلى أن الإعلان الدستوري ينص في المادة (33) على ما يلي : "يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع .... كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية) وفي المادة (62) على ما يلي : "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستوري يبقى صحيحا ونافذا" ومعنى هذا أن لائحة مجلس الشعب تظل صحيحة ونافذة وقد جاء في الباب السابع منها 12 فصلا تمثل أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية، ومنها سحب الثقة من الحكومة.
ونحن نرى أن هذا الإصرار على الإبقاء على هذه الوزارة رغم فشلها، إنما هو محاولة لإفشال البرلمان حتى يبقي مجلسا للكلام الذي لا يتحقق منه شئ، بحيث يقول ما يشاء وتفعل السلطة ما تشاء، ومن ثم يكون هناك انفصال تام بل تعارض بين سلطتي التشريع والتنفيذ، ثم إننا مقبلون على انتخابات رئاسية ثم استفتاء على الدستور وهى أمور تقتضي حكومة قوية نزيهة حرة تمثل الشعب .
· قررت النيابة العامة إحالة 75 شخصا منهم 9 لواءات من الشرطة إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل شهداء استاد بورسعيد وإصابة آخرين، وهذه الواقعة لها عدة دلالات :
أولا : أنها المرة الوحيدة التي تحيل فيها النيابة متهمين في كارثة، رغم حدوث عدة كوارث من قبل (ماسبيرو – شارع محمد محمود – مجلس الوزراء) والفرق بين هذه المرة والمرات السابقة أن مجلس الشعب قد انتخب قبل أحداث بورسعيد في حين لم يكن هناك من يمثل الشعب من قبل فضاعت القضايا، ومن ثم لابد من استكمال بناء المؤسسات الدستورية وأن يكون للشعب ممثلون يحملون همومه ويعبرون عنه ويسعون في خدمته وحمايته وأمنه .
ثانيا : أن وجود مجلس الشعب أجبر السلطات على القيام بدورها، لذلك يجب أيضا أن تكون الحكومة مستندة إلى الشعب ممثلة لإرادته، لا سيما وأن الشعب يتطلع إلى إنجازات على أرض الواقع، وليس تشريعات فقط على الصفحات .
ثالثا : أن تقديم 9 من لواءات الشرطة متهمين في هذه الجريمة يلقى ضوءًا على الجهة الثالثة التى كانت مجهولة في الكوارث الماضية، وكم حذرنا وتساءلنا عمن يقف وراء الأحداث الدامية، وطالبنا بتطهير الشرطة وبقية مؤسسات الدولة من بقايا النظام البائد .
· ضبط أحد ضباط أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا) يحرض على اقتحام مجلس الشعب وإهانته وإسقاط هيبته، هي جريمة تعضد ما تكشف من التحقيقات في أحداث بورسعيد وهي وجود جناح داخل وزارة الداخلية لا يزال يمارس جرائم النظام السابق ويعادي الثورة ويقف ضد مصالح الشعب، والزعم بأن هذا الضابط كان يؤمن مجلس الشعب أقرب إلى الهزل، فمنذ متى وضباط أمن الدولة يؤمنون المؤسسات والمنشآت ؟ وهذا يدل على مدى الحاجة للتطهير، وإعمال القانون بكل حزم .
ثانيا : على المستوى الإقليمي :
· قام الكيان الصهيوني بالعدوان على غزة مطمئنا للدعم الأمريكي الظالم لكل ما يفعل، مستصحبا مباركة أوباما للإرهاب الصهيوني بدعوى الدفاع عن النفس، وهذا ما يوجب على الأمة العربية أن تتحمل مسئوليتها في حماية أهل فلسطين من القتل المتواصل والتدمير الدائم لكل مقومات الحياة في غزة، والاستيلاء على أراضي الضفة وإقامة المستعمرات الصهيونية عليها، وتهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى .
· ما تزال قضية سوريا الشقيقة تدمي القلوب بمآسيها الدامية حيث لا تتوقف آلة القتل والتدمير التي يديرها النظام الوحشي ضد شعبه، ولا يزال العالم يقف عاجزا عن حماية المواطنين العُزل وتوفير الأمن والقوت لهم، بل تقف بعض الدول تؤيده بالمال والسلاح وربما الرجال أيضا، الأمر الذي يوجب اتخاذ مواقف حازمة من هذه الدول والسعي لحماية المدنيين، والضغط من أجل رحيل النظام، والسماح للشعب السوري أن يقرر مصيره .
كما نرجو من القادة السوريين في الخارج أن يوحدوا صفوفهم وألا يسمحوا للخلافات في الرأي أن تصدع وحدتهم أو تضعضع قوتهم وعزيمتهم (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
ثالثا : المستوى الدولي :
· في الوقت الذي بشر فيه أوباما بعلاقات جيدة مع العالم الإسلامى في خطبته في جامعة القاهرة وفي جاكارتا، وفي الوقت الذي يدعي فيه أهل الغرب كافة تسامحهم وعداوتهم للتعصب، إذا بهم يسفرون عن وجوه شديدة التعصب وسلوك شديد الهمجية فيقوم جنودهم في إحدى القواعد العسكرية في أفغانستان بحرق المصحف الشريف، وحينما يحتج المسلمون هناك بالتظاهر يقتلونهم بالرصاص، وبعدها يخرج جندي أمريكي من معسكره في منتصف الليل ويذهب إلى القرى الهادئة النائمة ليقتحم المنازل ويقتل الرجال والنساء والأطفال حتى بلغ عدد ضحاياه ستة عشر شخصا بدون أى ذنب أو جريرة، فهل هذه هى ثقافة الغرب وتسامحه وحضارته ؟ وبعد ذلك يتساءلون لماذا يكرهنا المسلمون ؟ فهل يريدون منا أن نحبهم وهم يقتلوننا ويحتلون بلادنا ويهينون مقدساتنا ؟
القاهرة في : 25 من ربيع الآخر 1433هـ الموافق 18 من مارس 2012م