تشهد الساحة السياسية تطورات مهمة، فعلى المستوى الداخلي يعد نجاح الانتخابات التشريعية مسألة مهمة لبناء نظام جديد، وعلى المستوى الإقليمي جاءت الانتخابات التونسية لتعطي دفعةً جديدةً للربيع العربي، كذلك جاء إعلان تحرير ليبيا من النظام الطاغوتي الفاسد بدايةً لتاريخ جديد لليبيا الشقيقة, أما على المستوى الدولي، فيحمل سحب القوات الأمريكية من العراق دلالات مهمة لمستقبل المنطقة.
ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث كما يلي:
أولاً: الشأن الداخلي:
- تم إغلاق باب الترشيح لمجلسي الشعب والشورى أمس، وهي أولى الخطوات نحو التحول الديمقراطي الذي ثار من أجله الشعب المصري وقدَّم أبناءه شهداء وجرحى من أجل هذا الهدف الكبير، وجاء الإقبال الشديد على الترشح كتعبيرٍ عن مناخ الحرية الذي استشعره الشعب، كما جاءت التحالفات كرمزٍ لرغبةٍ في توافق وطني يخفف من وطأة التشرذم، ويجمع القوى الوطنية بعضها إلى بعض.
- والذي ندعو إليه أن يلتزم الجميع بالمبادئ والأخلاق والديمقراطية أثناء فترة الدعاية الانتخابية، وأثناء إجراء الانتخابات والحفاظ على النزاهة والشفافية، والرضا بالنتائج أيًّا كانت، وتعاون الجميع بعد ذلك من أجل مصلحة مصر العليا.
- كما ندعو الشعب المصري فردًا فردًا أن يؤمن بأن صوته أمانة وأنه مؤثر وفعَّال، ومن ثَمَّ يبادر إلى الإدلاء به دون تكاسلٍ أو إبطاء، كما ندعوه إلى اختيار الأصلح والأكفأ دون نظرٍ إلى قرابة أو صداقة أو علاقة غير موضوعية من أي نوع.
- كما ندعو الجميع إلى التصدي لأي محاولةٍ للتزوير أو العدوان أو البلطجة وتشكيل لجان شعبية تعاون رجال القوات المسلحة والشرطة في هذا المجال، حتى تخرج انتخاباتنا انتخابات مثالية يشيد بها العالم مثلما كانت ثروتنا.
- كما ندعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يفي بوعوده المتكررة، وأن يستجيب لمطالب غالبية القوى الوطنية والشعبية التي منحته الشرعية بإصدار قانون العزل السياسي لمَن أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة ومنعهم من الترشح للبرلمان، فلا يجوز أن يحل القضاء العادل حزبهم ويدمغه بالفساد، ويطالب الشعب بكل فئاته بحرمانهم من الحقوق السياسية لخمسة أعوام على الأقل، ثم يصرُّ المجلس العسكري على السماح لهم بالقفز من جديدٍ على مقاعد البرلمان.
- هذه الانتخابات هي التي ستكون بإذن الله مقدمة لحالة الاستقرار التي عانينا من فقدانها منذ فترة طويلة، والتي لا تزال آثارها باقية وشاخصة فيما يحدث بين القضاة والمحامين، وبين أمناء الشرطة ووزارة الداخلية وبين أصحاب المطالب الفئوية والمؤسسات التي يعملون فيها، فرجاؤنا أن يتحلى الجميع بالحكمة والصبر، وأن يسعوا إلى حلِّ كل مشكلاتهم عن طريق الحوار والتفاهم فذلك أدعى لتوفير مناخ الحل، كما أن الحل الجذري لكل المشكلات المصرية لن يتحقق إلا باستكمال بناء مؤسسات الدولة وانتقال السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة انتخابًا حرًّا نزيهًا من الشعب، كما أن حلها لا شك يحتاج إلى صبرٍ ووقت.
ثانيًا: الشأن الإقليمي:
- توضح نتائج الانتخابات التونسية أن البلاد بدأت في ترسيخ التعددية والديمقراطية والحرية والتوافق، ولقد أسفرت هذه النتائج عن دلالات كبيرة.
- من حيث نسبة التصويت التي وصلت إلى 90%، وهي نسبة غير مسبوقة على مستوى العالم، وهي تدل دلالة واضحة على تعطش المواطنين للحرية والديمقراطية، وتدل على أن المواطن متى استشعر أهميته وقيمة صوته، وأنه شريك في الوطن بادر بمنتهى الإيجابية في المشاركة، وانعكس ذلك لا ريب على أدائه في عمله وإتقانه له وشعوره بالولاء والانتماء واستعداده للتضحية والفداء من أجل بناء وطنه ونهضته.
- من حيث نتائج التصويت وفوز حزب حركة النهضة بما يزيد على 40% من أصوات الناخبين وحصول الحزب التالي له على 15% من أصواتهم يدل ذلك على أن الشعب التونسي الذي عانى من حملات التغريب ومحاولات طمس الهوية وفرض العلمانية عليه بالقهر والإرهاب، لا يزال متمسكًا بهويته الإسلامية التي تمثل له العقيدة والحضارة والثقافة، وأن المظاهر العلمانية التي فرضت عليه ما هي إلا غلالة وقشرة رقيقة طرحها عن نفسه في أول فرصة أتيحت له للتعبير عن نفسه بحرية.
- وتدل أيضًا على أن هذه الحركة التي غُيب أعضاؤها عن الساحة طيلة 22 عامًا في السجون والمنافي، وعادت بعد الثورة وهي تعتقد ألا شعبية لها في البلاد إذا بها تجد أنها مؤيدة بأكبر نسبة من الشعب التونسي المسلم، وأن حزبها الذي تم تأسيسه منذ أشهر قليلة يحصل على أعلى الأصوات رغم أنه لم يطلب تأجيل الانتخابات بدعوى عدم الاستعداد مثلما تفعل الأحزاب عندنا.
وتدل هذه النتائج أيضًا على أن هذه الشعوب العربية والإسلامية لن تتخلى عن الإسلام قط لأنها عقيدتها وحياتها ومركوز في جيناتها، فعلى الجميع في الداخل والخارج أن يعوا هذه الحقيقة، وأن يحترموا إرادة هذه الشعوب وأن يتركوها تعيش وفق عقيدتها وشريعتها وقيمها وحضارتها، وأنها بإذن الله قادرة على أن تقدم للعالم نموذجا لحضارة متكاملة متوازنة إنسانية تجمع بين الروح والعقل والمادة وتسعد الإنسان بذلك في الدنيا والآخرة، وعلى أهل الغرب أن يتخلوا عن شعارهم العدواني الذي يقوم على صراع الحضارات وأن يستبدلوا به شعار تعاون الحضارات.
- سعدنا بإعلان أشقائنا في ليبيا تحرير كامل البلاد بعد القضاء على النظام الإجرامي المستبد والتخلص من رؤوسه وأذنابه، وإذا كنا نهنئهم بذلك فإنما نقرر لهم أن القادم أثقل وأعظم وأهم، ويتمثل ذلك في الوحدة الوطنية والمصالحة بين كل القبائل والمدن والجماعات، وإقامة مؤسسات الدولة ووضع دستور عصري، وإزالة آثار الدمار والتخريب ثم إعادة الإعمار والبدء في البناء والنهضة في كل المجالات مع الحفاظ على إنكار الذات والمحبة بين الأشخاص واحترام المبادئ والقيم الإسلامية والديمقراطية والحفاظ على الاستقلال، وعلى الثروات الوطنية وتوجيهها لخدمة كل أفراد المجتمع الليبي.
- كما ندعو إخواننا في ليبيا أن يعوا الدرس المر وألا يسمحوا لطاغية بعد ذلك أيًّا كان أن يستبد بأمرهم أو يقهرهم مهما كان الثمن.
- كذلك ندعوهم لرعاية الجرحى والمصابين من الثوار والمواطنين وأهالي الشهداء الأبطال تقبَّلهم الله في الصالحين وجزاهم صحبة النبيين في جنات النعيم.
ثالثًا: الشأن الدولي:
- أعلن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) عن انتهاء الحرب في العراق وسحب القوات الأمريكية بنهاية العام الجاري، وقد جاء هذا القرار بعد جدل طويل ومفاوضات لترتيب وجود أمريكي دائم في العراق، كما أنه جاء في ظل التغييرات العميقة التي تشهدها الدول العربية، وعلي أية حال، يرى الإخوان المسلمون أن هذا القرار- وإن تأخَّر كثيرًا- فإنه يكشف عن حقيقتين وهما، الأولى: أن الحروب لا تحل الخلافات بين الدول وبين أصحاب الحضارات، وبالتالي يعد القرار تعبيرًا عن هزيمة فكرة صراع الحضارات واللجوء للحروب لتسوية أو حل الخلافات، أما الحقيقة الثانية: فهي أنه مع وجود واستمرار الاختلاف كسنة كونية إلهية، فإنه على الدول والحكومات وضع نظام عادل ينظم العلاقات فيما بينها، ولا يكون فيه تمييز لطرف على آخر، وفي هذا السياق يرى الإخوان المسلمون أن المستقبل يتطلب التعامل على أساس الاحترام المتبادل والتفاهم بشأن العديد من القضايا والمصالح المتعلقة بالسلم والأمن والشئون الاقتصادية.