امتداداً لتطورات الثورة المصرية والثورات في البلدان العربية الأخرى، تأتى محاكمة الرئيس المخلوع كحدث تاريخى يفيض بالمعانى والدلالات ولا تزال تداعيات أحداث الجمعة الماضية مثار نقاش بين الأطراف المختلفة علي المستوي الداخلي، وصاحب هذه المناقشات بروز حالة من الانفلات الأمني، أما علي المستوي الإقليمي، فقد انتقلت الثورة السورية إلى مرحلة حرجة بعد اجتياح الجيش السوري لأربع مدن في سوريا، وعلي المستوي الدولي، أبدت بعض الدول خشيتها من انتقال عدوي أزمات الاقتصاد الأمريكي للبلدان الأخرى، وهو ما يشير إلى عمق الأزمة الفكرية للنموذج الرأسمالي.
ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث كما يلي:
أولاً: الشأن الداخلي :
** تأتى محاكمة الرئيس المخلوع كحدث تاريخى باعتباره يمثل الحالة الأولى فى العالم العربى التى يحاكم شعب رئيسه بعد خلعه على جرائمه البشعة التى ارتكبها فى حق الشعب والوطن ، وهذا يدل دلالات عديدة :
1- أن مصر تغيرت تغييرا جوهريا ، حيث تدل هذه المحاكمة على سيادة القانون ، فلم يعد هناك من هو فوق القانون ومن هو تحته ، ومعنى ذلك أن الجميع أصبحوا سواسية أمام القانون .
2- أن مصر أصبحت ترفض الضغوط الخارجية العربية والدولية التى مورست لمنع إتمام هذه المحاكمة، بعدما كانت تأتمر بأمر كثير من الدول فى العهد البائد .
3- أن الإرادة الشعبية هى الغالبة ، فالسيادة للشعب وهو مصدر السلطات ، وهذه الإرادة بإصرارها وصمودها كانت السبب المباشر فى التصدى للضغوط ، وتفعيل القانون .
4- أن الشعب المصرى أثبت أنه شعب متحضر ، فقد كان بمقدوره أن يثأر لنفسه بيده خارج إطار القانون ، إلا أنه فوض القضاء فى تحقيق القصاص احتراما لسيادة القانون لإقامة العدل وإحقاق الحق .
5- أن الشعب لم يصر على هذه المحاكمة شماتة فى أحد ، ولكن من أجل القصاص الذى هو ضمان الحياة (ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إضافة إلى شفاء صدور أهالى الشهداء ، وتنفيس الاحتقان المكبوت داخل أفراد الشعب المصرى .
6- إن هذه المحاكمة تثبت أن الله هو الملك وأنه يمهل ولا يهمل ، وأنه إذا أخذ الظالم لم يفلته ، وأنها عبرة لكل المتجبرين الطغاة بأنهم سائرون – بإذن الله – إلى نفس المصير ، كما أنها تعتبر رادعا لكل من تحدثه نفسه للسير فى نفس طريق الظالمين المستبدين المفسدين .
** ثار جدل كبير حول تداعيات جمعة الإرادة الشعبية (29 يوليو 2011)، ولقد أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا ضافيا فى هذا الموضوع يوم السبت 30/7/2011م .
** بخصوص إقدام أجهزة الدولة علي فتح ميدان التحرير للمرور وتحقيق مصالح الناس، فقد كان الإخوان يتمنون أن تتم هذه الخطوة دون اللجوء للعنف، كما يتمنون علي الجماهير المساعدة في احترام القانون وتجنب الاعتصامات التي تؤثر علي استقرار البلاد.
** شهد هذا الأسبوع العديد من مشاهد الانفلات الأمني وتحدي سلطة الدولة، وكان أهم هذه الحوادث في مدينة العريش ومدينة القاهرة، وفي سياق هذه الأحداث صدر بيان يدعو لإقامة إمارة إسلامية في سيناء، وإذا كانت حوادث الانفلات الأمني في القاهرة وبعض المحافظات ترجع لخلافات بين الأفراد تكتسب طابع البلطجة والخروج علي القانون، فإن التغطية الإخبارية لأحداث العريش صارت تميل إلي تحميل المسئولية لحركات عنيفة تتشكل في منطقة سيناء والتي تقوم بعمليات منظمة تهدد سلامة المواطنين والمؤسسات العامة، وفي هذا السياق، يؤكد الإخوان المسلمون علي أهمية تأكيد سلطة الدولة وسيادتها علي كامل التراب الوطني، كما أن القضاء علي انتهاك القانون والانفلات يقتضي استكمال الشوط الديمقراطي الذي ما زلنا في بداياته الأولي، إضافة إلى ضرورة أن تتحمل الشرطة مسئوليتها .
ثانياً: الشأن الإقليمي
** شن الجيش السوري حملة اقتحام لأربع مدن سورية، وقد رأي المراقبون أن هذا التحرك يماثل تدمير الجيش السوري لمدينة حماة في عام 1982، وقد أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا بخصوص هذه المجزرة الوحشية يوم الإثنين 1 رمضان 1432هـ الموافق 1 أغسطس 2011مثالثاً: الشأن الدولي .
** تشهد الولايات المتحدة الأمريكية جدلاً واسعاً حول طرق معالجة أزمة الديون، ورغم التفاهم بين الحزبين ( الديمقراطي والجمهوري ) علي خفض الإنفاق العام بمقدار تريليون دولار سنوياً وخفض عجز الموازنة، فإن هناك بعض الدول التي تخشي من نقل عبء الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة إلي دول وشعوب أخري، وهي سياسة سبق وأن اتبعتها السياسة الأمريكية في بداية السبعينات عندما تمكنت من تحميل الدول المدينة لأمريكا لعبء تمويل الاقتصاد الأمريكي عبر رفع سعر الدولار في مقابل العملات الأخرى القابلة للتحويل، وهذه المرة تخشي الدول الدائنة لأمريكا من تأثرها بأزمة الاقتصاد الأمريكي، وبشكل عام تثير الأزمات المتتابعة للاقتصاد الأمريكي التساؤل عن صلاحية النموذج الرأسمالي للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، فمنذ عام 2008 لم يستطع الاقتصاد الأمريكي الخروج من أزمة مالية طويلة وعميقة امتدت آثارها لبلدان أخري حتى صارت أزمة عالمية، يمكن أن تؤدي لتفكيك مقولات النموذج الرأسمالي والتي تدعي صلاحية التطبيق كخيار وحيد للتنمية في كل دول العالم، وتستبعد كل الأفكار والأطروحات الأخرى وهو ما يثير القلق حول مستقبل الحرية الاقتصادية وحرية اختيار نماذج التنمية التي تعبر عن هوية البلدان المختلفة.