27/07/2011

تشير الأحداث الجارية  أن الثورة فى مصر تواجه كثيرا من التحديات والمعوقات بغية إجهاضها – إن أمكن – أو تعطيل مسارها على الأقل، الأمور التى دفعت عديدا من القوى الإسلامية والوطنية إلى عقد العزم على النزول فى مظاهرات حاشدة فى ميدان التحرير وعواصم المحافظات لتأكيد سيادة الشعب وحقه فى أن يمنح نفسه دستوره دون افتئات من أى مجموعة تحاول فرض وصايتها عليه، وكذلك من أجل الدعوة إلى استقرار البلاد، ولم الشمل، وعودة اللحمة إلى القوى الوطنية .

وكذلك التدخل الخارجى فى شئون مصر الداخلية عن طريق إغداق المال السياسى على مجموعات ومنظمات بعينها، دون بقية القوى والمنظمات، الأمر الذى يقطع بالانحياز ونصرة فريق على فريق .

وعلى المستوى الإقليمى تأتى المأساة الإنسانية التى تحصد الأرواح وتهلك الحرث والنسل فى القرن الإفريقى (الصومال وكينيا) دليلا على الظلم الفادح الذى يعانى منه الفقراء فى أنحاء العالم، بينما الأغنياء يعانون من التخمة والترف .

وعلى المستوى الدولى تأتى مذبحة النرويج البشعة محملة بمعانى ودلالات فى غاية الخطورة .

ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم تجاه الأحداث فيما يلى :

أولا : الشأن الداخلى :

**** وقعت خلال الفترة الماضية وبعد فعاليات الجمعة 8/7/2011م، وبعد بيانات رئيس الحكومة والمجلس العسكرى جملة من الأحداث تمثلت فى اعتصام مجموعات من المتظاهرين فى ميدان التحرير والإسكندرية والسويس، وهذا لا اعتراض عليه إذا حدث بطريقة سلمية حضارية بيد أنه للأسف الشديد رافقه إغلاق لميدان التحرير وتعطيل للمرور، ومنع لموظفى مجمع التحرير من أداء أعمالهم ومنع أصحاب المصالح من قضاء مصالحهم ومحاولة منع الملاحة فى قناة السويس وأمور أخرى، ثم حدث تصعيد جديد بتسيير مسيرات إلى مقر المجلس العسكرى فى القاهرة، وبعض مقرات الحكام العسكريين فى بعض المحافظات، ومحاولة التحرش بالجيش، حتى حدثت الصدامات المؤسفة وغير المفهومة فى ميدان العباسية بالقاهرة . ورافق هذا اعتراض على التشكيل الوزارى، واستعجال تنفيذ ما وعد به رئيس الحكومة فى بيانه والمطالبة بمطالب أخرى .

كما حدث أن حاولت فئة من فريق الدستور أولا فرض مواد أسموها (حاكمة للدستور) على الشعب ملتفين بذلك على الإرادة الشعبية وعلى الاستفتاء وعلى الإعلان الدستورى، وحاولوا أيضا فرض رغبتهم هذه على المجلس العسكرى كى يصدر وثيقتهم فى إعلان دستورى جديد مستخدمين طريقة الصوت العالى والضغط الإعلامى، مما أثار حفيظة قوى كثيرة من الشعب ممن لا يملكون وسائل إعلام، فقررت التظاهر للتعبير عن موقفها وإيصال صوتها والانتصار لإرادة الشعب وسيادته وحقوقه.

وفى نفس الوقت للدعوة إلى الاستقرار الوطنى وإتاحة الفرصة للحكومة لأداء واجبها وتنفيذ برنامجها فى التطهير والمحاكمة العادلة وإعادة البناء .

وكذلك لرفض الصدام بين الجيش والشعب الذى تتطلع إليه جميع القوى المتربصة بالثورة .

ولقد قررت هذه القوى التظاهر السلمى وعدم الاحتكاك بالمخالفين فى الرأى، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وعدم الاعتصام، كما أنها ترجو بقية الثوار من المعتصمين إلى فض اعتصامهم حتى تعود الحياة إلى طبيعتها والمرور إلى سيولته، مع متابعة تنفيذ الحكومة لمطالب الشعب .

كما أننا ندعو إلى إعادة اللحمة بين القوى الوطنية  وذلك عن طريق احترام قواعد الديمقراطية بأن تنزل الأقلية على رأى الأغلبية وعدم محاولة الالتفاف عليه، وعدم محاولة فرض الرأى، واحترام القانون والدستور .

***  تتواتر الأخبار على أن الحكومة الأمريكية تنفق مبالغ طائلة فى الساحة السياسية المصرية حيث ذكرت آن باترسون السفيرة الأمريكية الجديدة فى القاهرة أمام الكونجرس أن أمريكا أنفقت 40 مليون دولار فى مصر منذ 25 يناير الماضى لدعم الديمقراطية، وذكر اللواء محمد العصار أن هذه السفيرة أخبرته بأن الولايات المتحدة قدمت 105 ملايين دولار لهذه المنظمات لمساعدتها على المشاركة فى الحياة السياسية فى مصر، كما أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة على موقعها على شبكة الإنترنت عن فتح الباب للراغبين من منظمات المجتمع المدنى فى مصر وتونس وباقى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحصول على منح بموجب برنامج مبادرة الشراكة (مابى)، وهذا كله يقطع بأن الحكومة الأمريكية تدعم بعض القوى السياسية والمنظمات الأهلية بغية استقطابها وشراء ولائها للانحياز للنموذج الغربى والسياسة الأمريكية فى محاولة لإبقاء مصر فى حظيرة التبعية للغرب، وهذا الأمر نعتبره تدخلا فى شئوننا الداخلية وإفسادا للحياة السياسية ومن ثم نرفضه بشدة، كما نهيب بكل الوطنيين الشرفاء والثائرين الأحرار أن يتعففوا عن المال الحرام الآتى من الغرب، وكذلك نطالب كل الأجهزة الرقابية والحكومة والمجلس العسكرى بالتحقيق فى هذا الموضوع وإعلان أسماء المؤسسات والشخصيات التى تلوثت بهذه الأموال، وكشف المصارف التى أنفقت فيها، فنحن نخشى على الثورة من هذه الرشاوى والعطاءات .

ثانيا : الشأن الإقليمى :

*** فإن الجفاف النازل بالقرن الأفريقى والذى أدى إلى مجاعة لم تحدث منذ عشرات السنين، أهلكت آلاف الأطفال والشيوخ ولا تزال تهدد مئات الآلاف بل ملايين البشر بالموت بعدما أباد الجفاف الزرع والضرع فى كينيا والصومال، ودفعت منظمات الإغاثة الدولية إلى مطالبة الدول الغنية بتقديم الدعم من أجل توفير الغذاء والماء لهؤلاء الملايين، ولا تزال الاستجابة بطيئة وغير كافية، الأمر الذى يثبت أن التكافل الإنسانى فى أدنى مستوياته وأن هناك من البشر من يموتون من التخمة والترف وهناك من يموتون من الجوع والعطش، وأن الدول الكبرى لا تتحرك إلا بعد وقوع الكوارث، وأولى بها من المنطلق الإنسانى أن تتعاون مع الدول الفقيرة والمتخلفة والنامية حتى تنهض ويرتفع مستواها المادى والعلمى والتقنى حتى تستطيع أن تواجه مشكلاتها وتحل أزماتها، أما أن تنتظر حتى تكون على شفا الهلاك ثم تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فهو سلوك لا ينم عن الإحساس بأخوة البشر التى تحتاج إلى التضحية والعطاء والترفع عن الأثرة والأنانية .وهنا تأتى مسئولية الهيئات الدولة والإقليمية، فهذا دور هيئة الأمم المتحدة، وأيضا دور جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى، وأيضا سائر المنظمات الأهلية فى العالم، ونخص منهم المنظمات الأهلية فى الدول العربية والإسلامية وأثرياء المسلمين من منطلق إنسانى وإسلامى، وإن مثل هذه الكوارث تستحق توجيه أموال الزكاة وغير الزكاة إلى هذه المناطق المنكوبة، بل إننا ندعو كل المنظمات الإغاثية فى مصر – على وجه الخصوص – أن تنهض للقيام بعبء إنقاذ الأرواح المهددة ، فإن من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) لذلك نطالب الهيئات الإغاثية فى مصر بالإعلان عن حساباتها ودعوة المصريين إلى التبرع فيها حتى تستطيع القيام بدورها خير قيام .

ثالثا : الشأن العالمى :

*** وقع خبر المجزرة التى ارتكبها شاب نرويجى أصولى مسيحى متطرف يكره الإسلام والمسلمين ويكره الأجانب بقتل ما يقرب من تسعين بريئا من مواطنيه لأنهم لا يرون رأيه ولا يتطرفون تطرفه ، وقع على نفوسنا وقع الصاعقة ، فما الذى يدفع شابا فى مقتبل العمر إلى أن يتحول إلى سفاح يقتل الآمنين ، إنها عملية الشحن الطائفى والعنصرى ضد الإسلام والأجانب ، ولا ريب أن هذا الشحن يعتمد على تشويه صورة الإسلام وملء النفوس بكراهيته ، وهذا عكس ما يدعيه الأوربيون من إيمانهم بالتعددية الفكرية والثقافية ، ولو درسوا الإسلام دراسة منهجية محايدة لاحترموه – على الأقل – وأيقنوا مدى رقيه وعظمته ، وحسبنا فى هذا أنه أكثر الأديان اجتذابا للناس فى كل أنحاء العالم ، رغم أن أهله لا يمثلونه تمثيلا صحيحا .وهنا عدة ملاحظات :

الأولى : أن أحدا لم ينسب هذا العمل الإرهابى إلى المسيحية التى يدين بها هذا القاتل رغم أنه أقر على نفسه بأنه مسيحى أصولى ، فى الوقت الذى ينسبون فيه أى عمل يقوم به أحد المسلمين المتطرفين ولو كان أقل من ذلك بكثير إلى الإسلام ، والإسلام برئ دائما من الإرهاب وقتل الناس بغير حق.

الثانية : أن هناك أصواتا فى النرويج بدأت تطالب بعودة عقوة الإعدام بعد إلغائها بزمن طويل ، وهكذا يكتشفون أخيرا أن حكم الله هو الحق والعدل ، بعد أن انتقدونا طويلا لتمسكنا به ، وصدق الله العظيم إذ يقول (ولكم فى القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)

الثالثة : أن الإسلام هو دين السلام ودين التسامح ودين الحرية فأولى بأهل الغرب أن يكفوا عن (الإسلاموفوبيا) وأن يكفوا عن التضييق على المسلمين فى مساجدهم وفى لباسهم وفى حركتهم وحريتهم ، وأن يستيقنوا أن شعار «صراع الحضارات» يجب أن يدفن وأن يحل محله شعار «تعاون الحضارات».