بقلم - محمد عوض
باحث في الدراسات الإسلامية
 
(إننا لم نأت إلى هنا لحضور جنازة؛ وإنما جئنا لنزف عروساً لنا إلى السماء)
قالها -رحمه الله- حين حضر إلى كفر حجازي؛ لتشييع جنازة المرحوم الحاج سيد بدر.. وهو جدير بأن تقال في حقه اليوم.
تأثرت به في مجال الخطابة تأثراً كبيراً, ومن الطرائف أنه زارنا في أحد المعسكرات التربوية للإخوان أوائل التسعينيات، وفي فقرة السمر أسَرّ له أخونا عصام السباعي -فك الله أسره- بأنني أقلده بشكل متميز في الخطابة, فطلب الأستاذ أن يكون تقليدي له إحدى فقرات السمر, وقلت للأخوة: كيف أقلده في حضوره؟ فأصروا علي ذلك, ولما جاء دور فقرتي قلدته في جملةٍ شهيرةٍ كان يستخدمها في خطبه، وبطريقة متميزة، وهي جملة: أيها الأخوة الأحبة الفضلاء ... الخ، وما أن نطقت بها بطريقته حتى علت ضحكته المميزة؛ إعجاباً بإتقاني لطريقته في الحديث.
وفي هذا الجانب أزعم أننا ظلمناه كثيراً؛ حين لم نهتم الاهتمام الكافي بتسجيل خطبه ودروسه -وما أكثرها- حيث فقدنا بذلك علماً كثيراً.
أذكر حين كان لاتحاد طلاب الإخوان وجود في الثمانينات؛ ألقى محاضرةً في جامعة طنطا لـ 3 ساعات كانت تدور حول أفكار حددها بمنتهي الدقة، وكُتبت هذه المحاور الستة فيما بعد علي جدران مدارس الجيل المسلم؛ ليحفظها الطلبة والمعلمون، وهي: 
(التقوى بلا وعي غفلة، والوعي من غير تقوى فجور.. والحماسة من غير بصيرة طيش، والبصيرة من غير حماسة جمود والوقوف عند الحد التراثي في الثقافة جمود والاكتفاء بالثقافة المعاصرة انسلاخ ).
ظل الأستاذ يشرح هذه الأفكار في انبهار من الطلبة والأساتذة، وكانت الإفادة يومها إفادةً كبيرةً جليلةً، لكن سُرعان ما أُغلقت الأبواب أمامه وأمام أمثاله من الدعاة؛ لتُفتح علي مصارعها لدعاة الخنا والرقص والفجور، وليُستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
***
بلغ استبداد السادات وقمعه للمعارضين – لاسيما الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان المسلمون- ذروته باعتقالات سبتمبر 1981م؛ لينتهي باغتياله في أحداث المنصة في أكتوبر من نفس السنة, ثم يتولي (حسني مبارك) الأمر من بعده, وكالعادة بدأ الأخير حكمه بنفس التمثيلية التي يبدأ بها كل طاغية في مصر –باستثناء السيسي-, الظهور بأنه مختلف عن سلفه في احترامه للمعارضة، واحترامه للديمقراطية، و .... و ..... الخ، ثم الانقضاض عليهم تدريجياً ومحاولة استئصالهم. 
وتطبيقا لذلك أفرج مبارك عمن تم اعتقالهم (ما يزيد عن 1536 معتقلاً), وبدأ في تخفيف القبضة الأمنية نسبياً عن المعارضين, وإتاحة مساحات شديدة الضيق من حرية العمل السياسي والدعوي! 
نظرة الأستاذ لاشين إلى هذا الأمر:
كنا كشباب قليلي الخبرة بألاعيب هؤلاء الشياطين من الحكام، ننظر إلى فترات اتساع هامش حرية العمل والحركة علي أن الجديد أفضل من سابقه, بل ربما تصور بعضنا أن الجديد متعاطف مع فكرتنا! إن لم يكن مؤيداً لها ... الخ النظرة الساذجة, لكن كان للشيوخ رأي آخر! طرحه الأستاذ علينا بوضوح في أحد اللقاءات الإخوانية, فبيّن لنا أن الأصل في هؤلاء القمع واستئصال المعارضين, والاستثناء هو إتاحة هذه الهوامش لاسيما للإخوان، وأن هذه الهوامش هي من مستلزمات ديكور الديمقراطية, وبيّن أننا ينبغي أن نستفيد من هذه بأقصى درجات الاستفادة, وشبّه الحركة أثناء فترات تخفيف (القبضة الأمنية) بإنسان يُريد الوصول إلى غاية معينة عبر طريق حالك الظلام، لا يضيئه إلا (كشافات) السيارات المارة به بين الفينة والأخرى, فكلما أضاء ضوء أسرع وقطع شوطاً! وهكذا! حتى يمر ويصل إلى غايته.
***
هذه الفترة استثمرها الإخوان بقيادة الأستاذ عمر التلمساني -المرشد آنذاك- استثماراً كبيراً، لاسيما في الغربية؛ التي كان مسئولاً عنها الحاج أحمد البس رحمه الله, ومن مظاهر استثمارهم لها:
1- إنشاء بعض الجمعيات الأهلية المحدودة، ومنها في الغربية (الجمعية التربوية الإسلامية).
2- بناء المدارس التعليمية والمساجد وبعض المؤسسات الطبية، من خلال هذه الجمعيات؛ كـ مدارس الجيل المسلم ومسجد الشهيد ومستشفي طيبة بطنطا.
3- إعادة لقاء الثلاثاء في المساجد التي يديرها الإخوان، أو مَن هو قريب منهم!
4- المشاركة ولأول مرة منذ عهد الإمام البنا في الانتخابات البرلمانية؛ حيث التحالف مع الوفد في 1984م؛ ليصير للإخوان تحت قبة البرلمان 8 أعضاء, والتحالف مع العمل والأحرار في 1987م؛ حيث نجح لهم 38 عضواً.. ثم تتابعت مشاركتهم البرلمانية حتى قيام ثورة 25 يناير. 
5- المشاركة في النقابات ونوادي هيئات التدريس واتحادات الطلاب والأندية .....الخ.
فماذا كان دور الأستاذ لاشين في هذه المشاركات وغيرها؟!
كان للأستاذ دور بارز في كل ما سبق وغيره, لكن بما أن الحديث هنا مركز علي الجانب الخطابي له -رحمه الله- فإنني أشير إلى أن عودة لقاء الثلاثاء، في المساجد التي كان يديرها الإخوان، أوْ مَن هو قريب منهم، بدأ في زاوية صغيرة (مسجد عباد الرحمن) أسفل منزل الأستاذ علي لبن بمنطقة قحافة بطنطا, حيث كان يحاضر فيها كبار شيوخ الإخوان، خصوصاً مَنْ يقيم منهم في طنطا..
استمعت للكثيرين منهم، أمثال الحاج أحمد البس والأستاذ فتحي عرس وكثيرون لا أذكرهم، وكان الفارس المبرز بين هؤلاء بالطبع الأستاذ لاشين! أذكر أنه ألقى ذات مرة محاضرة تحدث فيها عن (ضرورة الارتباط بالدعوة لا الارتباط بالأشخاص) لا زال صداها يتردد في أذني إلى اليوم!
وشيئاً فشيئاً بدأ اللقاء العام ينشأ في بعض القرى التابعة لمركز المحلة الكبرى مثل (محلة زياد) وغيرها، حتى استقر في مسجد الشهداء بـ (محلة أبو علي القنطرة), وكان الحاج لاشين محاضراً لامعاً في هذه اللقاءات كلها، ولساعات؛ حيث كانت محاضراته تتسم بالطول.. حدث مرات في لقاء بـ (محلة زياد) وغيرها أن استمرت محاضرته لثلاث ساعات دون تململ..
وذاع صيت لقاء الثلاثاء في الإسكندرية (مسجد عصر الإسلام) وغيره, وكان للأستاذ أيضاً حضوره المميز، وكنت -من خلال طلاب الجامعة- أتابع محاضراته هناك.
فضلاً عن ذلك استثمر الإخوان المناسبات الاجتماعية المختلفة (عقود الزواج, سرادقات العزاء, العقيقة, الوليمة....) في عرض حقيقة دعوتهم ورد الشبه عنها، وكان الأستاذ لاشين هو المتحدث المفضل في هذه المناسبات كلها, حتى أني أذكر أن كثيراً من شباب الإخوان كان يرتب موعد عقد زواجه علي جدول الحاج لاشين؛ ليُلقي خطبة عقده في المسجد, وكان حضور الحاج لاشين عقداً من هذه العقود محل افتخار صاحبه وسعادته. 
ولمع نجم واسم الحاج لاشين -خصوصاً بين من هم في سن المرحلة الجامعية- في فترة الدعاية لانتخابات 84 (تحالف الوفد والإخوان), والتي استهدف الإخوان منها إعادة اسم الجماعة إلى الوجود, وشرح حقائق دعوتهم للناس من خلال الدعوة العامة، والتي عرفها البنا بـ (مرحلة التعريف).
وقام خطباء الإخوان وفي طليعتهم فارس الكلمة فيهم الحاج لاشين في مؤتمرات الدعاية الانتخابية بهذا حق القيام, لاسيما في مؤتمرات انتخابات 87 والتي كانت الأضخم هذه المرة، لاسيما في المحلة الكبرى وقراها, نعم.. كانت هذه المؤتمرات شبه يومية, تُعرض فيها حقائق الإسلام كمنهج حياة..
وكان اعتماد الإخوان -على مستوى الجمهورية- على الحاج لاشين في هذه المؤتمرات اعتماداً يفوق اعتمادهم على طاقة شاب في العشرينات في الحقيقة؛ فقد كان يُحاضر في أكثر من مؤتمر في اليوم الواحد, كما حدث يوم مؤتمر (ميدان المحطة) بالمحلة الكبرى, فبعد أن ألقي لما يزيد عن ساعة خطبة حماسية ألهبت مشاعر الحاضرين وأسالت مدامعهم علي واقع الاستبداد في العالم العربي والإسلامي, نزل من على المنصة سريعاً؛ لينطلق إلى (مدينة زفتى)؛ ليختتم مؤتمراً مماثلاً هناك بخطبة مماثلة.
رحم الله الأستاذ لاشين.. 
***
ولا يسعنا في الختام إلا ما فعله أبو بكر النهشلي وقد رأى الناس أكثروا من الثناء على داود الطائي في جنازته، فقام فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم في داود، مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك، ولا تكله إلى عمله ..
اللهم إنا قد قلنا في حق عبدك لاشين أبو شنب مبلغ ما علمنا.. اللهم اغفر له برحمتك، ولا تكله إلى عمله..