13/06/2010

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد،

إخوتي وأخواتي وأحبتي في الله، السلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
 
حديث آخر من القلب إلى القلوب، أسال الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتوفانا وإياكم على ما يُحب ويرضى من الإيمان الثابت والإسلام الصحيح؛ حتى نلقاه وهو راضٍ عنَّا غير خزايا ولا ندامى ولا مبدِّلين ولا فاتنين ولا مفتونين.
 
حديثنا اليوم عنوانه: الثبات حتى الممات.
وابتداءً.. الثبات هو الاستمرار في التمسك بالعقيدة والقيم والأخلاق والفضائل، مهما كانت المغريات، ومهما كانت العقبات، ولهذا لا بد أن نبحث من أين يأتي الثبات؟
 
مصدر الثبات هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي يهب للإنسان ثباتًا عندما يعلم ما في قلبه من الصدق واليقين والإخلاص.
 
وقد قال لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم في كتاب الله العزيز: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)﴾ (الإسراء).
 
ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾ (إبراهيم).
 
إذًا يا من تريد أن يثبتك الله عزَّ وجلَّ اجعل في قلبك إيمانًا ويقينًا بالله وبطريق هذا الدين، وبالثبات على هذه الفضائل في كل سلوكياتك؛ حتى يثبتك الله ويزيدك منها ثباتًا.
 
المغريات كثيرة والعقبات كثيرة.. وهذا اختبار من الله عز وجل للإنسان حتى يعلم علمًا كِشاف ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ (محمد).
 
لذلك عندما تمر عليك ابتلاءات واختبارات فاعلم أن الله عزَّ وجلَّ يريد أن يختبر صدقك فيما قلت.
 
إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ سؤال من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكي يتأكد من ثبات هذه المعاني وهذه القيم في نفسية حارثة، فلما وجد منه دلائل على هذا الثبات الإيماني واليقيني قال له: "قد عرفت فالزم".
 
والله عزَّ وجلَّ في ابتلاءاته واختباراته للإنسان وللجماعة وللأمة.. جعل هذه القضايا محل اختبار وامتحان، فالذي في قلبه يقين لا يتزعزع أبدًا، ولا يُساوم ولا يقبل على هذا الدين ولا على هذه القيم لا مساومة ولا خديعة بغيرها.
 
ونموذج رأيناه في رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه المغريات بشكل لا يتخيله إنسان، إن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تكون أغنانا، فماذا كان موقفه صلى الله عليه وسلم بثباته ويقينه في ربه عزَّ وجلَّ وفي الأمانة التي يحملها وفي الهدف الذي يسعى إليه، "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، وقد أظهره الله سبحانه وتعالى.
 
﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ (الفتح: من الآية 18)، هذا هو اليقين الذي يدفع الإنسان إلى الثبات، والله عزَّ وجلَّ يثيبه أفضل من ذلك بتوفيق ونصر وعزة وكرامة في الدنيا والآخرة.
 
نموذج آخر من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، سيدنا يوسف عليه السلام نموذج وهو في السجن في ظروف صعبة قاسية يشهد له السجينان معه ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 36)، جملة لها مغزاها، أي: إن هذه صفة ثابتة فيك نراها عملية لا نسمعك تتحدث عن الإحسان فقط، ولكن نراك من المحسنين، وتستغربون إخوتي وأخواتي ما الذي مع يوسف عليه السلام في داخل السجن؟ لا يعرفه أحد، وليس له أقارب، ولا يصله شيء من أهله ومن المحسنين؛ فما الإحسان في هذا الحال؟ هو إحسان الخلق والسلوك رغم هذه الضغوط التي يعيش فيها، ورغم أنه متهم اتهامات باطلة، ونفس الجملة قيلت له من إخوته وهو يجلس على العرش يوزع الميرة على كل الدنيا في موقع سلطان وقدرة وملك:
﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 36)، نفس الجملة تتكرر كأن هذه الصفات ثابتة في هذا الإنسان في هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ لذلك عندما ترى هذه الصفات تُثبت في إنسان تعلم أنه قد عاش عليها واستمر عليها واختبر فيها ونجح فيها.
 
جماعة الإخوان المسلمين عندما ترى نموذجًا تعلمت منه.. أمنا هاجر وهي على يقين أن ربنا لن يخذلها أبدًا، هي تعلم أنها تحمل هذا الحق وتجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وتأخذ بالأسباب وتثبت على ما هي عليه من قيم ومبادئ وأخلاقيات، فالدنيا بإذن الله سبحانه وتعالى ستأتيها راغمة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال للدنيا: "يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه".
 
الظروف التي كانت حول أمنا هاجر ظروف صعبة قاسية، ولكنها ما دامت تحمل حقًّا تقول لزوجها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لن يضيعنا الله عزَّ وجلَّ.
 
من أين يأتي هذا اليقين والظروف من حولها كلها لا تنبئ بهذا؟ من أين يأتي هذا النور في القلب برغم من أنها أخذت بكل الأسباب المتاحة، ولكن ليس حولها ما ينبئ بأن هناك أملاً؟، أملها في الله عزَّ وجلَّ، فاليقين هو الذي يبعث الأمل، هو الذي يدفع للأخذ بالأسباب، هو الذي يحقق النتائج بإذن الله عزَّ وجلَّ وإن لم تتحقق في الدنيا فنحن على يقين؛ أن أجر الآخرة هو الذي نسعى إليه، والله عزَّ وجلَّ غايتنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، أمنية غالية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض".
 
من أين يأتي الثبات؟ من الاختبارات المتتالية، تُختبر فتتأكد فيك الصفة ويثبت الخُلق، وكما يقول الرسول: "لا يزال الرجل يصدق ويصدق ويصدق"، انظر إلى تكرار الصفة يأتيك الموعد لتُختبر في هذه الكلمة، فماذا تقول بعد موعد آخر باختبار آخر يرى الله عزَّ وجلَّ منك صدقًا فتثبت الصفة؛ حتى تُكتب عند الله صدِّيقًا، لذلك النموذج المقابل لا يزال الرجل يكذب ويكذب وبعد أن يستمرئ الكذب تجده لا يستعذب ولا يقبل إلا الكذب؛ لأنه بعدها يتحرى الكذب ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (المائدة: من الآية 42).
 
نموذج بسيط أضربه لحضراتكم دون ذكر أسماء في الانتخابات الحالية التي مضت في انتخابات الشورى، كان الإخوان المسلمون يرفعون راية الإسلام ويعلنون أنهم يتمسكون بها، ويثبتون عليها بإذن الله سبحانه وتعالى، وقد اختبر الله عزَّ وجلَّ هذه الجماعة بفضل الله- سبحانه وتعالى- ثبَّتها رب العزة أمام الكثير من المغريات وأمام الكثير من الصعاب والمعوقات.
 
دائرتنا دائرة في دمياط ودائرة في أسيوط، أعلنتُ أن الإخوان المسلمين يساندون المرشح في دمياط؛ لأنه عندما استقرأنا رأي الناس من حوله أثنوا عليه خيرًا بما يعلمون، وهو ليس من الإخوان المسلمين، وكان من مبادئنا وقيمنا أن نساند الصالحين الذين يشهد الناس لهم بذلك، فأعلنا تأييدنا لهذه الشخصية.
 
ونموذج آخر في أسيوط من الإخوة المسيحيين، بعد استقراء رأي الناس في الدائرة أعلنوا أن هذه الشخصية شخصية تسعى في مصالح الناس وعلى احترام كامل من كل الأطياف، ولا يزكونه على الله عزَّ وجلَّ؛ فأعلنا تأييدنا لهذه الشخصية، ودفعنا بإخواننا بإيجابية في كل الدوائر؛ لأن هذه قيمة نريد إعلاءها وهذا عندنا أهم من الوصول إلى المقاعد، فكان التمسك بمثل هذه القيم وهذه المبادئ عندما اختبرت بفضل الله عزَّ وجلَّ نجحت "الإخوان المسلمون".
 
وصلنا في آخر النهار أن جهات من الحزب الوطني اتصلت بالمرشح بدمياط، وعرضت عليه أن تزور الدائرة لصالحه فوافق، وفورًا أعْلَنْتُ رفضنا لمساندة هذه الشخصية؛ حيث إنه قد تخلى عن المبدأ الذي نحن نريد رفع رايته، مبدأ نزاهة الانتخابات وحرية الرأي، وهذه عندنا تسبق كل النتائج في الانتخابات، الشورى والشعب والمحليات، يُعلم أن الإخوان المسلمين ينزلون إلى هذه الانتخابات إعلاءً لراية الحق ورفعًا لراية الحرية ووقوفًا في وجه الفساد والمفسدين، وتقديمًا لنماذج صالحة نرجو من الله عزَّ وجلَّ أن ينفع بها هذه الأمة لينقذها مما هي فيه؛ فلما قبل التزوير رفضنا مساندته في منتصف النهار.
 
ونفس الموقف حدث مع المرشح الأخ المسيحي في أسيوط ذهبوا إليه لينجح بالتزوير، فرفض، فساعدوا المرشح المنافس وهو مسيحي آخر، ونجَّحوه بالتزوير، هنا أُعليت القيمة وهنا تمسك مسيحي بهذه القيمة ونحن نقدر له هذا التمسك؛ لأنها قيم وفضائل نزلت في جميع الرسائل السماوية.
 
وهنا مُسلمٌ قَبِلَ التزوير فما أضر إلا نفسه، ونحن قد تبرأنا من التزوير ومن المزورين؛ لأن أول ما نهانا الله سبحانه وتعالى عنه بعد عبادة الأوثان ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ...﴾ (الحج)، نماذج تؤكد أن الاختبار هو الذي يؤكد ثبات القيمة، وتأصل الصفة، ومتانة الخلق، كما يقول الأستاذ الإمام حسن البنا رحمة الله عليه: "متين الخلق" هذه وحدها تؤكد أن الخُلُق لا يتأتى إلا بالتدريج والثبات على الخلق والاختبار أكثر من موقف، لذلك كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسالك العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى"، صفة ثابتة لا تتغير لا تضعف في نفسك أمام المغريات، ولا تنهار أمام الصعوبات والعقبات والمضايقات، لذلك والعياذ بالله عندما نجد الصورة المقابلة في المنافقين، نماذج ﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ (التوبة: من الآية 58)، نماذج "يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا".
 
نماذج تتأثر عندما يُعرض عليها شيء فيه مغنم، وتفقد المصداقية أو يضغط عليها، فتتنازل عن قيم، فتفقد المصداقية، أما أصحاب الحق ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17)﴾ (لقمان).
 
رأينا في قافلة الحرية ثباتًا على قيم من أناس ليسوا على ملتنا، وليسوا من بني جلدتنا، ولا يتكلمون بألسنتنا، ولكنهم يعلمون أن هذا حق أن ينصروا إخوانهم في الإنسانية من أهل غزة المحاصرين المظلومين المقهورين، الذين يموت أطفالهم من المرض والجوع، والذين يموت مرضاهم لمنع العلاج عنهم، والذين يموت شيوخهم دفاعًا عن مقدساتهم قبل شبابهم، أليس هذه قضية إنسانية قبل أن تكون إسلامية، وقبل أن تكون عربية!
 
وجدنا أناسًا جاءوا ليرفعوا راية الحرية لإخوانهم في الإنسانية المحاصرين في غزة، فهل يُعقل أن يكون هذا الموقف في ثبات قيم وأخلاق إنسانية لا يقابلها مواقف من إخوانهم العرب والمسلمين؟!
 
هذا الاختبار يرفع به الله تعالى من يحمل هذه الرايات ويَثبت عليها ويعلي شأنه، ولذلك أطالب كل إخواني أن يتعلموا من مثل هذه النماذج التي عندما يراها ويرى فيها درسًا لا يُنسى، أناس ضحوا بأنفسهم وحملوا الأمانة دفاعًا عن مظلومين، هذه قيم ثابتة، البشرية كلها تجتمع فيها، هذه القيم تختبر فتجدهم يقولون بعد أن عانينا كل هذه المعاناة من الصهاينة وما رأيناه من قتل وجروح وإصابات وقهر وظلم وضغط وتعطيش سنعود لنأتي بقافلة أخرى، هذا هو الدليل على أن هذه الصفات صفات وقيم ثابتة.
 
لذلك إخواني وأخواتي في الله الثبات الثبات حتى الممات، والأجر عند الله عزَّ وجلَّ مرهون بحسن الخواتم، حسن الخاتمة تؤكد أن هذه الصفة ظلت معك حتى تلقى ربَّكَ وهو راضٍ عنك، غير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين، وصية أبينا إبراهيم "أبو الأنبياء" عليه الصلاة والسلام وعلى كل الأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)﴾ (البقرة).
 
هل تدري متى تموت؟
 
إذًا كن على هذا الثبات، على هذا الحق، على هذا الإسلام، على هذا الدين، اثبت على هذه الصفات والقيم والأخلاقيات حتى إذا ما مت في لحظتك مت عليها، وأنت لا تدري متى تموت، فكن على هذه الصفات حتى تلقى ربك أي حتى الممات.
 
وأخيرًا.. وصية جاءت في كتاب الله عزَّ وجلَّ، يا من تريد الثبات طريق الثبات اسمع قول ربك وهو يقول لك: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)﴾ (النساء).
 
كل هذه الجوائز تأتيك عندما تنفِّذ ما تسمع وتعمل بما تقول وتقتدي بمن تراهم من الصالحين، فالاقتداء والتنفيذ العملي، والوصية عندما تسمعها وتترجمها إلى عمل، وتفعل ما توعظ به، تأخذ كل هذه الجوائز، وعليها بإذن الله سبحانه وتعالى نموت وعليها نلقى الله، فالثبات الثبات حتى الممات إخواني وأخواتي.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.