تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا يهدد باندلاع حرب إقليمية واسعة. في 12 يونيو، أطلقت إسرائيل حملة قصف واسعة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية وقيادات النظام ومخازن النفط والغاز، بهدف "إضعاف وتدمير وإزالة التهديد" النووي الإيراني، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وردّت إيران بإطلاق صواريخ باليستية وبتعليق مفاوضاتها النووية مع واشنطن. ومع توسّع نطاق القتال وعبور الصواريخ أجواء الخليج، لم تعد الدول المجاورة تتساءل هل سيصل النزاع إليها، بل متى.
رغم ضيق الفرصة، لا يزال بالإمكان تجنب الحرب الشاملة. لكن مع فتور واشنطن تجاه الدبلوماسية، يتحمل الفاعلون الإقليميون—وخاصة الدول العربية وتركيا—مسؤولية نزع فتيل الأزمة. تلك الدول تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، وتمتلك الأدوات اللازمة لإطلاق مبادرة وساطة إقليمية، من دون الاعتماد الكامل على واشنطن.
بين المطرقة والسندان
لطالما نظرت الدول العربية بعين الريبة إلى إيران بسبب دعمها للميليشيات في العراق ولبنان واليمن، وتدخلها في سوريا، وبرنامجها النووي المتقدم. في 2019، هاجمت إيران منشآت نفطية سعودية، بحسب تقارير أممية وأمريكية وسعودية، وهو ما أثار ذعر المنطقة. وفي 2022، نفذ الحوثيون، بدعم إيراني، هجمات استهدفت منشآت في أبو ظبي.
في المقابل، تحسّنت العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل خلال السنوات الأخيرة، رغم استمرار الغضب الشعبي بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة والانتهاكات المستمرة في الضفة الغربية، ما عطّل جهود التطبيع. كذلك، يثير استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا مخاوف عربية من تجدد الفوضى في بلد تسعى معظم الدول العربية إلى استقراره.
تخشى الدول الخليجية أن تدفع إسرائيل إيران إلى الرد على منشآتها النفطية أو تهديد الملاحة في مضيق هرمز، ما يُدخلها مباشرة في النزاع ويجبرها على الانحياز. ومع احتمال دخول الولايات المتحدة الحرب، يزيد خطر استهداف إيران للقواعد الأمريكية في الخليج، ما يجعل البنية التحتية الخليجية في مرمى النيران.
أي هجوم على المنشآت النفطية أو الموانئ أو القواعد الأمريكية قد يهدد صادرات النفط ويزعزع ثقة المستثمرين، ما يُضعف اقتصادات قائمة على الطاقة مثل رؤية السعودية 2030. كذلك، قد يعيد الحوثيون استهداف السفن في البحر الأحمر، ما يهدد الإمدادات الغذائية والمياه ويخلق أزمات صحية وبيئية في المنطقة.
وسطاء الضرورة
سعت الدول العربية إلى النأي بنفسها عن التصعيد الإسرائيلي. السعودية والإمارات أدانتا الحملة العسكرية، والأردن دعا إلى التهدئة، فيما أبدت عُمان وقطر مواقف حازمة، رافضةً ما اعتبرته محاولات تخريب الجهود الدبلوماسية. تركيا أعربت عن استعدادها لـ"منع التصعيد بأي ثمن".
رغم الغموض بشأن اقتراحات أردوغان، تمتلك هذه الدول قنوات اتصال مع جميع الأطراف. تستضيف القوات الأمريكية، تدير محادثات غير معلنة، وتفهم الحسابات الأمنية للجميع. الآن، عليها استغلال هذه المزايا لإطلاق مبادرة دبلوماسية تشمل وقفًا مؤقتًا للضربات، خاصة على المناطق المدنية، وفتح قنوات لحماية البنية التحتية للطاقة والملاحة.
قد تُظهر هذه المبادرات أن الطريق الأمثل أمام الرئيس ترامب هو التهدئة، لا التصعيد. كما قد تمهد لوقف إطلاق نار كامل واتفاق سلام مستدام.
رغم صعوبة تخيل قبول ترامب بوساطة خليجية، منحته زيارته الأخيرة للمنطقة انطباعًا بأن مصالحه تتقاطع مع أولوياتهم الأمنية. أشاد بالتركيز على التنمية لا الفوضى، وعلى التقنية لا الإرهاب، وألمح إلى استعداد للاستماع والعمل وفقًا لتوصياتهم.
ورغم رغبة نتنياهو بالتصعيد، يعرف المسؤولون الإسرائيليون أن تطبيع العلاقات مع السعودية سيتطلب تراجعًا عن الحرب. العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين قد تساعد في توجيه القرار نحو التهدئة.
بالنسبة لإيران، تُعد الوساطة الخليجية مخرجًا ضروريًا. تتعرض البلاد لقصف مستمر، ويبحث قادتها عن مخرج يحفظ ماء الوجه. أبدت طهران استعدادًا للعودة إلى طاولة المفاوضات إذا أمكن التوصل إلى هدنة. تمتلك الدول الخليجية سجلًا جيدًا في التفاوض مع إيران؛ فبعد الهجمات الإيرانية عام 2019 وهجمات الحوثيين في 2022، نجحت الإمارات والسعودية في استعادة العلاقات مع طهران بوساطة صينية عام 2023.
الفرصة الأخيرة
عارضت الدول العربية وتركيا الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، محذّرة من الفوضى وتمكين التطرف. اليوم، تدعو تلك الدول نفسها إلى وقف التصعيد، مدركةً أن حربًا جديدة ستُطلق العنان لمزيد من الفوضى.
تستطيع الدول الإقليمية إقناع إسرائيل بأن استمرار العمليات سيقوّض مسار التطبيع، ويحوّل الردع إلى حرب دائمة. كما يمكنها تحذير إيران من أن برنامجها النووي وصواريخها وميليشياتها تهدد مستقبل اندماجها الإقليمي.
التوصل إلى سلام يبدو مهمة شبه مستحيلة. لكن الحاجة إلى جهد دبلوماسي جاد ومستمر أصبحت ملحّة. يجب أن يشمل هذا الجهد إيران وإسرائيل، ويحظى بدعم واشنطن، لكنه لا يمكن أن ينبع إلا من قلب المنطقة نفسها.
https://www.foreignaffairs.com/iran/last-chance-middle-east-peace