16/07/2009

 كن مقتحمًا.. ولا تغرد خارج السرب
 
الأخ الحبيب..
 
أحييك بتحية الإسلام.. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
 
فإني أوصيك ونفسي بضرورة التحلِّي بروح الاقتحام، والأخذ بزمام المبادأة، خاصةً بعد معرفةٍ ودرايةٍ بالميدان الذي نلِجُه، ودراسةٍ وتقديرٍ لعواقب الأمور، وإلا فإن التريُّثَ أولى، وترقُّب اللحظة المناسبة أحكَمُ وأرشدُ، ولنعلم أن الخيرَ- كلَّ الخير- في الحركة والإيجابية، فالسكونُ موتٌ، والتراخي ضعفٌ، والتواكل سقمٌ في الفهم، وقعودٌ بالهمة عن الوصول إلى العلا.
 
 
 
إن الخيرية التي وصف الله بها أمةَ الإسلام تتحقق إذا هي أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وآمنت بالله.. يقول الشافعي رحمه الله: "لو تدبَّر الناس هذه السورة- يقصد سورة (العصر)- لوسعتهم"، وكان المسلمون إذا التقوا لم يفترقوا حتى يقرأ أحدهم على إخوانه سورة (العصر)؛ وذلك لما تتضمَّنه من تأكيد على الإيمان والعمل الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر.. سواءٌ على القيام بهذه الفريضة وما تتطلَّبه من جهد ومثابرة، أو على الأذى الذي يمكن أن يلحق بالمحتسب.
 
  يقول شوقي:
 
وعلمنا بناء المجد حتى           أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
 
وما نيل المطالب بالتمني           ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
 
وما استعصى على قوم منال          إذا الإقدام كان لهم ركابا
  
إنه الإقدام يا صاحبي.. والأخذ بأسباب القوة والغلبة في كل مناحيها.. أخلاقيًّا، وإيمانيًّا، ونفسيًّا، وذهنيًّا، وعلميًّا، وبدنيًّا.. فليس هناك مكان في هذا العالم للضعفاء أو الكسالى أو الخائفين أو المتردِّدين.. إنه عالم الأقوياء.. يقول الحق جل وعلا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف".
  
* كنْ حاسمًا، وأدعوك أن تفكر جيدًا قبل أن تشرع في القيام بأي عمل، وأن تستشير أحبابك وخلاَّنك من ذوي الرأي والعقل والحكمة، ثم لا تتردَّد أو تهتزَّ أو تتراجعَ؛ فإذا عزمت فتوكل على الله.
  
كن واثقًا من نفسك وقدراتك وإمكاناتك، وكن على يقين أن الله تعالى أودع فيك طاقاتٍ إبداعيةً هائلةً تحتاج منك أن تكتشفها وأن توظِّفَها وأن تنمِّيَها.
 
 * اجتهد أن تعي جيدًا مهمَّتك التي ندبْتَ لها نفسك أو نُدِبتَ لها من قِبَل إخوانك، وأن تحدِّد ما تريد بدقة، وهل هذه المهمة تتناسب مع مؤهلاتك وملكاتك أم لا، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِقَ له، وعلى إخوانك أن يساعدوك في اختيار ما يلائمك من مهامّ.. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضيِّعت الأمانة"، وفي رواية "فانتظر الساعة".
  
* ضع أولويات في حياتك، وابدأ بالأهم فالمهم فالأقل أهميةً، وانظر في القضايا ذات الصفة العاجلة والتي لا تحتمل التأخير.
  
* لا تشغل نفسك بسفاسف الأمور، وانظر دائمًا إلى معاليها، ولتكن ذا همة عالية وروح وثَّابة، واستحضر في ذهنك دائمًا أنك صاحب رسالة لخَّصَها وعبَّرَ عنها ذلك المجاهد الفذ ربعي بن عامر: "إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.".
 
* يجب أن تكون أهدافك واضحةً، وأن تظلَّ مشدودًا إليها، مرتبطًا بها، لا تغيب عن ذهنك أبدًا، وإياك أن تُستدرَجَ لمنعطفات جانبية، فإن ذلك ينأى بك عن الأهداف الكبرى التي تنشدها.
 
 * خطِّط لكل عمل، وضع له فترةً زمنيةً مناسبةً، وحدِّد وسائلك وأدواتك بنفس الدقة، ولا تستهِن بوسيلة وإن صغرت، وأعدَّ للأمر عدتَه، ولا تترك ثغرةً دون أن تسدَّها، أو مشكلةً دون حلِّها، أو خللاً دون معالجته، وليكن ذلك أولاً بأول.
 
* لا تغرد خارج السرب، وضع في اعتبارك دائمًا أنك جزءٌ من كلٍّ، ومعلومٌ أن الكلَّ أعظمُ من الجزء، وأنك فرعٌ من أصل، وشجرة في بستان، ومهما كانت عبقريتك فإن عبقرية الجماعة أعظم، ولا تنس أن يد الله مع الجماعة، وأن الوحدة أخت الإيمان والتفرق أخو للكفر، وقيل: إن الاجتماع على نصف الحق خيرٌ من التفرق على الحق كله، ومن ثمَّ اضمم جهدك إلى جهود إخوانك، تكامل معهم، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
  
ويعجبني قول الإمام البنا: "سر قوتكم في إخوتكم، ولا عجب إذ جعل- رحمه الله- قوة الوحدة والارتباط أهم مصادر ومظاهر القوة بعد قوة العقيدة والإيمان.
  
* استعن بالله ولا تعجز، وإذا شعرت بوهن فعليك بالصلاة، قف بين يدي الله، عفِّر جبهتك بالسجود له والتذلل إليه، واطلب منه القوة والعون والمدد.. يقول صاحب (الظلال)- طيب الله ثراه- في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153): قرن الله تعالى بين الصبر والصلاة؛ لأن الصبر قد ينفد أمام الضغوط الهائلة التي تتعرَّض لها، لذا أوصى بالصلاة فإنها تمنحك صبرًا متجددًا يعينك على لأواء الحياة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.. فالصلاة الصلاة.
  
أسأل الله تعالى أن يعينَنا وإياكم على طاعته، وأن يجعلنا أهلاً لحمل رسالته.
 
  والله من وراء القصد.
 
--------------
 
* النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين