وقف النبى –صلى الله عليه وسلم – فى يوم عرفة فى حجة الوداع ليلقى خطبة الوداع، التى يؤكد فيها على أصول الإسلام التى يجب أن يتبعها المسلمون من بعده، ويتمسكون بها، وينشروها بين العالمين، وفى ذلك سعادتهم فى الدنيا والآخرة . وقف فى المكان الطبيعى الذى يجب أن تعلن فيه القرارات المصيرية لأمة الإسلام، عرفة فى يوم الحج الأكبر، حيث يجتمع المسلمون من كل مكان، تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالملا الأعلى، وتهفو نفوسهم إلى إرضاء الله عز وجل الذى أنعم عليهم بنعمة الإسلام أولا، ونعمة الأخوة ثانيا، ونعمة الوقوف فى هذا المكان ثالثا. وقف ليعلن للمسلمين أولا، وللعالم ثانيا، قيم الإسلام المثلى التى بها ينقذ العالم من التيه والحيرة والضلال، ويخرج من مستنقع الظلم والجبروت والطغيان، فى أول إعلان لحقوق الإنسان فى الإسلام فى جو ملؤه القداسة والطهر، ليقول أن الالتزام بهذه المبادى المدنية التى تنظم حياة الناس وعلاقاتهم ليست من قبيل القانون المدنى الذى يضعه البشر، فيمكن التحايل أو الالتفاف عليه، ولكنها تعليمات دينية مقدسة يحرص المرء على أدائها والالتزام بها، ليس خوفا من عقوبة دنيوية، ولكن خوفا من عقوبة أخروية وطمعا فى ثواب عظيم وأجر جزيل من الله، مما يضمن ديمومة واستمرارية الإلتزام بها وتطبيقها فى دنيا الناس ما دام فى القلب إيمان وفى النفس حياة. " الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله, وأحثكم على طاعته, وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد, أيها الناس, اسمعوا منى أبيّن لكم, فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا.

حرمة الدماء والأموال أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد. -

وجوب أداء الأمانة فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.

 -التخلص من مظاهر الجاهلية إن ربا الجاهلية موضوع, وان أوّل ربا أبدأ به ربا عمّي العباس بن عبد المطّلب وإن دماء الجاهلية موضوعة, وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السّدانة والسّقاية, والعمد قود, وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر, وفيه مائة بعير. فمن زاد؛ فهو من أهل الجاهلية. -

بيان عداوة الشيطان أيها الناس, إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه, ولكنّه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقّرون من أعمالكم.

- حرمة التلاعب بالشريعة أيها الناس, إن النسيء زيادة في الكفر, يضل به الذين كفروا, يحلّونه عاما, ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم الله, وان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض, منها أربعة حرم: ثلاث متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ورجب الذي بين جمادى وشعبان, ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد .

- الحقوق الزوجية أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقا, ولكم عليهنّ حق ألا يوطئن فرشكم غيركم, ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيتكم إلا بإذنكم, ولا يأتين بفاحشة؛ فان فعلن, فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن, وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح, فان انتهين وأطعنكم, فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان, ولا يملكنّ لأنفسهن شيئا, أخذتموهن بأمانة الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله.

- الوصاية بالنساء فاتقوا الله في النساء, واستوصوا بهن خيرا, ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

- الأخوة الإيمانية وحرمة الأموال أيها الناس, إنما المؤمنون اخوة, ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه, ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد.

- ميزان التفاضل بين الناس أيّها الناس, إن ربكم واحد, كلكم لآدم وآدم من تراب, أكرمكم عند الله أتقاكم. ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد. فليبلّغ الشاهد منكم الغائب.

- تقسيم الميراث أيها الناس, إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث, ولا تجوز لوارث وصيّة, ولا تجوز وصيّة في أكثر من الثلث, والولد للفراش وللعاهر الحجز. من ادّعى إلى غير أبيه أو تولّى غير مواليه؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم ورحمة الله ". وبعد فهل يعى المسلمون هذه المبادىء الإنسانية العظيمة التى جاء بها رسول الإسلام؟، فيأخذوها بقوة، ويطبقوها بفخر، وينشروها بين العالمين باعتزاز، فينقذوا بها أنفسهم والناس أجمعين من الضلال والتيه. وهل يعى ذلك ولاة أمر المسلمين المتجبرون الظالمون الذين يلاحقون الدعاة المصلحون بغير جريرة أو ذنب فلا يراعوا فيهم إلا ولا ذمة ولا أخوة ولا رحم، فيدفعون بهم إلى غياهب السجون، بعد سلسة طويلة من الترويع للنساء والأطفال فى جوف الليل، وانتهاك للحرمات، وكشف للستور بلا رحمة أو إنسانية أو ضمير. وهل يفهم دعاة حقوق الإنسان فى العالم الذى داس كرامة الإنسان وحرمه أبسط حقوقه، فحاصره وجوعه ومنع عنه الدواء والكساء، فى الوقت الذى يؤسس فيه جمعيات الرفق بالحيوان، ويدركوا بذلك رحمة الرسول الذى يسيئون إليه، وعظمة الرسالة التى يحاربونها وأهلها.