يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو من أفضل الأيام مع يوم النحر يوم عيد الأضحى.. خصَّ الله تعالى يوم عرفة بفضائل وخيرات ليست في غيره من الأيام، وسنَّ لنا رسول الله صومه، كما علمنا الدعاء يومه.
لماذا سُمي بيوم عرفة؟ لأنه اليوم الذي يقف فيه وفدُ الله الحجاج على صعيد عرفة، وهو موضع الوقوف، وأهم ركن من أركان الحج كما جاء في مسند الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحجٌ عرفة"؛ أي أن أهم ركن من أركان الحج الوقوف بعرفات.
وسُمِّي هذا المكان بعرفة لما رواه الإمام ابن كثير في تفسيره عن علي بن أبي طالب أنه قال: "بعث الله جبريل إلى إبراهيم فحجَّ به حتى إذا أتى عرفة قال عرفات، وقد أتى قبل ذلك مرةً فلذلك سُميت عرفة".
ورأي آخر عن عطاء إنما سميت عرفة؛ "لأن جبريل كان يُري إبراهيم المناسك فيقول عرفت عرفت... فسمِّيت بعرفات".
فضل يوم عرفة ومكانته
أما مكانة يوم عرفة فحدِّث ولا حرج، وهي مكانة أكبر من أن يُحيط بها متحدث في ساعة من الزمان، لكن يكفينا باقة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتناول فيها بعض فضائل وخيرات وثواب هذا اليوم الكريم.. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟".
والإمام النووي في شرح الحديث يقول وهو يشرح كلمة "وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة": "تدنو رحمته دنوّ كرامة لا دنوَّ مسافة ومماس، وهو يتأوَّل بذلك حديث النزول إلى السماء الدنيا وتنزل الرحمة، والنبي يقول في الحديث "إن الشيطان أغيظ يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة".. فالله حين ينزل إلى السماء الدنيا ينزل نزولاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.. نزولاً يعجز الواصفون عن وصفه ويعجز البشر عن الإحاطة بهذا علمًا يقول الله تعالى: "هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا غبرًا، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني.. فكيف لو رأوني؟".
وفي حديث سيدنا جابر: "وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة.. ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول "انظروا إلى عبادي جاءوني شعثًا غبرًا ضاحين، جاءوا من كل فجّ عميق، يرجون رحمتي ولم يرَوا عذابي، فلم يُرَ يومٌ أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة" (رواه البزار وابن خزيمة وأبو يعلى وابن حبان)، وزاد ابن خزيمة "أشهدكم أني غفرت لهم، فتقول الملائكة إن فيهم فلانًا مرهقًا وفلانًا قال.. يقول الله قد غفرت لهم" (المرهق: أي الذي يغشى المحارم ويرتكب العصيان والمآثم) والخطاب من الله لملائكته يوم عرفة أشد وأغيظ وأدحر وأغبر على الملعون إبليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأمته عشية عرفة فأجيب "أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم من الظالم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم" فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء مرةً ثانية فأجيب إلى ما سأل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي؛ إن هذه الساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك.. أضحك الله سنك فقال صلى الله عليه وسلم: "إن عدوّ الله إبليس لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي وغفر لأمتي أخذ التراب يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور وأضحكني ما رأيت من جذعه" وفي رواية الإمام مالك عن طلحة بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما رُئي الشيطان (بضم الراء) يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذاك إلا لما رأى من تنزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام- إلا ما رأى يوم بدر، قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما أنه قد رأى جبريل يزع الملائكة "أي يصفّهم للقتال" فلا تغيب شمس عرفة إلا وتغيب بذنوب السعداء من حجيج بيت الله الحرام".
ومن سنن يوم عرفة لغير الحجيج ما سنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة والترمذي عن أبي قتادة رضي الله عنه قال سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم عرفة قال: "يكفر السنة الماضية والباقية"، وفي رواية الإمام الترمذي قال: "إني احتسبت على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله" فالصحابة يسألون عن الفضل ولا يسألون عن المشروعية، وهنا شبهة قد ترد على الأذهان وهي كيف يكفّر المولى السنة القادمة وذنوبها لم تُرتَكَب بعد؟ وهنا الجواب مطروح:
أولاً: أن الله يعصمه من الذنوب كلها.
ثانيًا: أن الله يعصمه من السنة القادمة فلا يقع في الكبائر ووعد الله في كتابه الكريم " ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " وبذلك يغفر الله عز وجل كل الذنوب.
ثالثًا: إن وقع منه ذنب وقع مغفورًا له.
رابعًا: أن الله تعالى إذا قرّر لهذا العبد وكتب عليه ذنبًا قرَّر له منه توبةً.
وأخيرًا دعاء يوم عرفة: إن يوم عرفة يوم مشهود، يتجلى فيه المولى عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكملت به النعمة، وكمل به الدين، ورضي الله تعالى فيه الإسلام، ونزلت فيه الآية الكريمة درّة آيات سورة المائدة " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا " ( المائدة: 3 ).. بعض اليهود قال لسيدنا عمر إن في قرآنكم آيةً لو نزلت علينا معشر اليهود لجعلناها لنا عيدًا؛ ففطن سيدنا عمر وأخبره بهذه الآية.
هو يوم الدعاء والتوبة والتضرع.. يوم تكون فيه القلوب واجفةً، والعيون دامعةً، والألسنة ذاكرةً، وبالدعاء خاشعةً.. إنه يوم إجابة الدعاء، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ".
الدعاء يكون للحجاج وغير الحجاج، وهل الذكر دعاء؟! نقول: نعم .. من شُغِلَ بذكر الله عن مسألة الله أعطاه الله خير مما يُعطَى السائلون.
حكم الأضحية: واجبة على المسلم الذي يملك نصاب الزكاة عند الأحناف، وإلا كان آثمًا، وعند بقية الأئمة فهي سنة مندوبة.
فضل الأضحية
يقول النبي في الحديث الذي ترويه السيدة عائشة: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطِيبوا لها نفسًا " ( رواه ابن ماجة والحاكم، وقال صحيح الإسناد )، والنبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على أن يضحِّي، و"أنه اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين؛ فإذا صلى وخطب الناس أوتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بالمُدية ( بضم الميم ) ثم يقول: " اللهم هذا عن أمتي جميعًا؛ من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ "، ثم يأتي بالآخر فيذبحه بنفسه، ويقول:" اللهم هذا عن محمد وآل محمد "، فيطعمهما جميعًا المساكين ويأكل هو وأهله منهما، وفي ذلك تسرية لمن قُدِر عليه رزقه فلم يقدر على الأضحية؛ فإن رسول الله قد ضحَّى عنك بنفسه، وأيام التشريق هي: يوم العيد والأيام الثلاثة التي تليه.. يقول عنها "أيام أكل وشرب وذكر".