تم تزوير الاستفتاء الباطل كما توقعنا وتوقع المراقبون المنصفون، فالذين أهدروا إرادة الشعب التي تجلت خمس مرات في انتخابات واستفتاءات سابقة، وتكلفت سبعة مليارات من الجنيهات، والذين اقترفوا كل الموبقات، لا يمكن أن يجروا استفتاء نزيها، لأن نتيجته ستكون رفضا للانقلاب العسكري الدموي وتأييدا لشرعية الحكم المدني الذي يحترم الشعب وإرادته وسيادته وكرامته. لذلك تم تزوير نتيجة الاستفتاء للحصول على ورقة توت يحاولون بها ستر انعدام شرعيتهم، ولن تمنحهم هذه النتيجة أي قدر من الشرعية.
لقد زعموا أن 38,6% ممن لهم حق التصويت أدلوا بأصواتهم في هذا الاستفتاء، في الوقت الذي أقروا فيه جميعا بأن الشباب قاطع التصويت، وهو يمثلون 60% ممن لهم حق التصويت، إضافة إلى أن الغالبية العظمى من الإسلاميين وقوى سياسية أخرى قاطعته، فكيف تكون النتيجة هكذا إلا بالتزوير، كما أن نسبة المصوتين من المصريين في الخارج كانت 15% بحسب التقرير الرسمي، وهي مؤشر على توجه المصريين كافة، حيث في استفتاء 2012 كانت نسبتهم 42% ، وكانت النسبة الإجمالية للاستفتاء 32,9% . إذاً فكانت أكبر من النسبة الإجمالية، فلا يمكن أن تكون هذه المرة 15% وتكون النتيجة الإجمالية 38,6% ، لا سيما وقد أجري الاستفتاء الأخير في جو من الإرهاب والقتل والاعتقال للرافضين للدستور الباطل، الأمور التي أدت إلى اتساع المقاطعة، وقد تجلت في آلاف اللجان التي أظهرتها الصور خاوية على عروشها.
في 2012 لم تكن هناك دعوات للمقاطعة، وشاركت معظم القوى، إن لم تكن كلها في الاستفتاء، وكانت نسبة المشاركة 32,9%، وهذه المرة كانت دعوات المقاطعة تملأ المجتمع، وجاءت النتيجة 38,6%، فكيف ذلك?.
في 2012 شهد الجميع في الداخل والخارج بنزاهة الاستفتاء وشفافية كافة إجراءاته، وهذه المرة شهدت مراكز علمية وبحثية في الداخل، وكل المعلقين والباحثين في الخارج بتزوير الاستفتاء، حيث ذكر المرصد العربي للحقوق والحريات أن نسبة التصويت لم تتعد الـ 11,3%، وذكر المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) أنها 8%، وذكر معهد كارنيجي أنه لم يكن استفتاء على الإطلاق، وذكرت صحيفة الجارديان أنه استفتاء على دستور معيب، وأن الحكومة المصرية تسيطر على الاستفتاء وسط عنف مميت، وذكرت منظمة الشفافية الدولية أن السياق السياسي في الفترة السابقة على الاستفتاء أضعف فرص عقد استفتاء حر ونزيه، قياسا إلى المعايير الدولية، وغيرها كثير.
لا زلنا نذكر كيف يتم تزوير الأرقام من قبل الانقلابيين وأنصارهم، فقد استقال منذ فترة أحد قادة حركة (كمل جميلك) التي تطالب بترشيح السيسي للرئاسة، وذكر أنهم جمعوا 8500 توقيع فقط، فخرج زملاؤه يعلنون في الإعلام أنهم جمعوا 5,5 مليون توقيع، كما ذكرت بعض الصحف الانقلابية أن (4000) مواطن مصري في اليابان صوتوا لصالح الدستور، في حين أن المسجلين للتصويت عددهم (423) شخصا، والذين صوتوا منهم بالفعل هم (34) شخصا فقط.
أثبت المستشار نبيل صليب رئيس لجنة الإشراف على الاستفتاء انحيازه وعدم حيدته، وأعلن على الملأ أن الامتحانات هي التي منعت الشباب من التصويت، ولولاها لارتفعت نسبته، والحقيقة التي يتغافل عنها المستشار وأمثاله أن الشباب لم يكن مشغولا بالامتحانات، وإنما كان مشغولا بالتظاهر ضد الانقلاب وضد الاستفتاء الباطل، وكان يتلقى الرصاص الحي في صدره والخرطوش في وجهه ويختنق بالغازات التي تطلقها الشرطة، فصعد بعضه إلى السماء شهيدا، وبعضه إلى المستشفيات مصابا، وبعضه إلى المعتقلات أسيرا، ولا يزال منذ أكثر من مائتي يوم يتظاهر في الشوارع والميادين في كل محافظات الجمهورية، حتى ينتزع حريته من بين أنياب مغتصبيها وأعوانهم.
أيها الشعب المصري العظيم، لقد أراد الانقلابيون قهرك وإذلالك، فقتلوا وحرقوا واعتقلوا وعذبوا، وسنُّوا قانون منع التظاهر، وأعلنوا جماعة الإخوان المسلمين على سلميتها جماعة إرهابية، ورفعوا سقف عقوبة قيادة التظاهر إلى الإعدام، والمشاركة فيها إلى السجن خمس سنوات، فلم تعبأ بذلك كله، بل دُسْتَ عليه بالأقدام كل يوم في مظاهراتك الحرة، ولن يكون الدستور الباطل أكثر مما لفظته ورفضته من قبل، ولن يتحقق استقرار إلا مع العدل والحرية والكرامة.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون﴾.
الإخوان المسلمون في الأحد 18 ربيع الأول, 1435 هـ الموافق 19يناير