في ظلال القرآن " أيه ومعني .. الجزء الثامن  " - اعداد فريق " نافذة مصر " - سورة الأنعام


المصدر : كتاب " الظلال " لـ المفكر الشهيد " سيد قطب " 

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (الأنعام -123)

إنها سنة جارية أن ينتدب في كل قرية - وهي المدينة الكبيرة والعاصمة - نفر من أكابر المجرمين فيها , يقفون موقف العداء من دين الله . ذلك أن دين الله يبدأ من نقطة تجريد هؤلاء الأكابر من السلطان الذي يستطيلون به على الناس , ومن الربوبية التي يتعبدون بها الناس , ومن الحاكمية التي يستذلون بها الرقاب , ويرد هذا كله إلى الله وحده . . رب الناس . . ملك الناس . . إله الناس . .

إنها سنة من أصل الفطرة . . أن يرسل الله رسله بالحق . . بهذا الحق الذي يجرد مدعي الألوهية من الألوهية والربوبية والحاكمية . فيجهر هؤلاء بالعداوة لدين الله ورسل الله . ثم يمكرون مكرهم في القرى , ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً . ويتعاونون مع شياطين الجن في المعركة مع الحق والهدى , وفي نشر الباطل والضلال , واستخفاف الناس بهذا الكيد الظاهر والخافي . .

إنها سنة جارية . ومعركة محتومة . لأنها تقوم على أساس التناقض الكامل بين القاعدة الأولى في دين الله - وهي رد الحاكمية كلها لله - وبين أطماع المجرمين في القرى . بل بين وجودهم أصلاً . .

معركة لا مفر للنبي أن يخوضها , فهو لا يملك أن يتقيها , ولا مفر للمؤمنين بالنبي أن يخوضوها وأن يمضوا إلى النهاية فيها . . والله سبحانه يطمئن أولياءه . . إن كيد أكابر المجرمين - مهما ضخم واستطال - لا يحيق إلا بهم في نهاية المطاف . إن المؤمنين لا يخوضون المعركة وحدهم فالله وليهم فيها , وهو حسبهم , وهو يرد على الكائدين كيدهم:

(وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون).

فليطمئن المؤمنون !

ثم يكشف السياق القرآني عن طبيعة الكبر في نفوس أعداء رسل الله ودينه . . الكبر الذي يمنعهم من الإسلام ; خيفة أن يرجعوا عباداً لله كسائر العباد , فهم يطلبون امتيازاً ذاتياً يحفظ لهم خصوصيتهم بين الأتباع . ويكبر عليهم أن يؤمنوا للنبي فيسلموا له , وقد تعودوا أن يكونوا في مقام الربوبية للأتباع , وأن يشرعوا لهم فيقبلوا منهم التشريع , وأن يأمروهم فيجدوا منهم الطاعة والخضوع .