عقد بنك روسيا المركزي اجتماعاً مع كبار المصرفيين الروس، مساء الخميس 21 يناير 2016، بعد انخفاض الروبل الى مستوى تاريخي أمام الدولار، ما يفرض ضغوطاً على الرئيس فلاديمير بوتين أمام أزمة اقتصادية يبدو أنها تتفاقم بسبب انهيار أسعار النفط.
وفيما يشكل دليلاً على التوتر، أعلن بنك روسيا في بيان أنه عقد اجتماع عمل مع رؤساء جمعيات المصارف وعدد من البنوك لبحث "الظروف والتوقعات" الاقتصادية لعام 2016.
وأكدت متحدثة أن حاكمة بنك روسيا، الفيرا نابيولينا، ألغت مشاركتها في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، حيث كان يفترض أن تلقي خطاباً الجمعة.
وانخفض الروبل مجدداً، الخميس، ليبلغ سعر الدولار 85,99 روبل، ثم عاد الى مستوى 84,3 بعد الظهر، في حين بلغ سعر اليورو حوالي 91,75 روبل.
اقتصاد ينكمش
ويعتمد اقتصاد روسيا التي تعاني من انكماش، على النفط والغاز اللذين يشكلان أكثر من نصف عائداتها، في حين تتعرض السلطات لضغوط للتحرك وتفادي اتجاه العملة لمزيد من التدهور.
وفي حين يتوقع أن يشهد 2016 مزيداً من التراجع في مستوى معيشة الروس يشكّل الوضع انتكاسة لفلاديمير بوتين الذي ارتفعت شعبيته خلال السنوات التي أعقبت توليه السلطة في 1999 مع تحقيق مستويات نمو مرتفعة بفضل النفط والغاز.
انهيار الروبل
وأعلن الكرملين رفضه الحديث عن "انهيار" الروبل الذي خسر أكثر من 12% من قيمته منذ مطلع السنة، واضعاً الكرة في ملعب البنك المركزي. لكن الأسواق أكثر حساسية للأمر.
وبعدما تراجع الأربعاء الى مستويات قياسية كان شهدها في عام 2014، خسر الروبل حوالي 5% من قيمته الخميس في بورصة موسكو، فيما يتجه سعر برميل النفط، أبرز مصدر لعائدات روسيا مع الغاز، الى الانخفاض. وهو أسوأ وضع للعملة الروسية منذ ديسمبر/كانون الأول 2014، حين بلغ سعر العملة الروسية عتبة 100 روبل لليورو الواحد.
وانهيار أسعار النفط يعني أن الاقتصاد الروسي الذي يرزح أيضاً تحت وطأة عقوبات غربية بسبب الأزمة الأوكرانية، سيبقى في حالة انكماش هذه السنة، وأن الموازنة ستحرم من قسم كبير من العائدات المرتقبة.
وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريح للصحفيين: "لا أحبذ استخدام كلمة انهيار، فأسعار صرف الروبل تتغير، والأسعار تتقلب لكنه ليس انهياراً".
وأضاف "ليس هناك أي سبب للتشكيك في أن البنك المركزي أعد خطة تهدف الى تجنب انهيار فعلي. إن البنك المركزي يتابع الوضع بانتباه".
إجراءات لمواجهة الأزمة
وحافظ بنك روسيا على حذره حتى الآن، وأكد أمس الأربعاء أن الاستقرار المالي ليس مهدداً. وهذا يعني أنه يجب عدم توقع تدخل هذه الهيئة التي امتنعت قبل سنة ونصف السنة عن اللجوء الى الاحتياطي للحفاظ على أسعار الروبل.
في المقابل فإن التقلبات النقدية قد تؤدي الى إبعاد احتمال خفض الفوائد الذي تأمل به الأوساط الاقتصادية، في وقت تواجه فيه الشركات وكذلك الأفراد صعوبات كبرى بسبب كلفة القروض الحالية التي تأتي نتيجة لانهيار سعر الروبل عام 2014.
في المقابل، بدأ بعض الخبراء الاقتصاديين يتحدث عن رفع معدلات الفائدة لوقف تدهور سعر الروبل، وذلك خلال الاجتماع المقبل للبنك المركزي الروسي في 29 يناير.
وقال الخبير الاقتصادي أنتون تاباك، من معهد الاقتصاد العالي في موسكو: "حين يتراجع الروبل بنسبة 5% في اليوم، هذا الأمر يثير قلق الجميع"، مضيفاً لوكالة الصحافة الفرنسية: "بالطبع، كل هذا يأتي في إطار الانهيار العالمي وتضاف اليه عوامل محلية، لكن عدم تدخل البنك المركزي والحكومة يثير تساؤلات".
الموازنة تتحمل
ولم تعلن الحكومة عن إجراءات محددة لمواجهة تراجع الروبل، لكنها تعمل على تحديد اقتطاعات جديدة من الموازنة ومصادر الدخل في مواجهة تراجع قيمة النفط، لأن الرئيس بوتين طالب باحتواء العجز الى أقل من 3% من إجمالي الناتج الداخلي.
وعلى هذا الصعيد فإن خفض قيمة العملة يعتبر نظرياً إجراءً من شأنه تهدئة الصعوبات؛ لأنه يزيد آلياً من قيمة العائدات المتأتية من مبيعات المحروقات التي يحدد سعرها بالدولار، بعد تحويلها الى روبل.
وكان رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف أعلن، الأربعاء، أن الحكومة تحضر إجراءات لمواجهة الأزمة ودعم الاقتصاد وتعتبر ضرورية "نظراً للطريقة التي تطور فيها الوضع في الأسابيع الثلاثة الماضية".
وسبق أن أقرت الحكومة الروسية بأن الاقتصاد سيواصل تباطؤه على وقع السعر الراهن لبرميل النفط، مع ضرورة إجراء اقتطاعات في الموازنة.
وكثفت الحكومة اجتماعاتها في الأيام الأخيرة لإيجاد موارد مالية إضافية مع مواصلتها التقديمات الاجتماعية ومساعدتها للقطاعات الأكثر تعثراً مثل السيارات والبناء.
وأقر الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان يتحدث، الأربعاء، أمام رجال أعمال تزامناً مع التراجع التاريخي للروبل أمام الدولار، بأن العامين الماضيين كانا صعبين "بالنسبة إلى كل القطاعات".