تحت عنوان "هل يكسر السيسي دورة الاستبداد في مصر؟" نشرت صحيفة "ذا ناشيونال إنترست" تحليلا مطولا لـ مارينا أوتاوي، الباحثة البارزة في مركز "وودرو ويلسون الدولي"، خلصت فيه إلى أن "نظام السيسي يدور في فلك الاستبداد، من خلال الحد من ممارسة أي نشاط سياسي عبر الأحزاب بما يعيد صناعة دورة أخرى من الركود السياسي والخوف والسلطوية".

تقول الباحثة: في يناير 2011، استطاع المصريون أن يضعوا نهاية لثلاثين عاما من حكم مبارك الاستبدادي، وفي يونيو 2013 استولى الجيش على زمام الأمور مما يعني عودة كاملة إلى دائرة السلطوية، وفي مقابل ذلك، أبدى المصريون، باستثناء الإسلاميين، استعدادا لقبول ذلك مقابل عودة القانون وضمان الاستقرار.

وأضافت: إن الأزمات التي أشعلت ثورة يناير ما زالت مستمرة وتتفاقم، ويبدو أنها لن تُحَلّ بسهولة، وقد ينفجر غضب الشارع المصري مع منع النظام القائم للمشاركة السياسية، لكن مع تجدد المخاوف من التغيير الجذري قد يقبل الاستبداد، ولتجنب تكرار هذا، ينبغي على الحكومة إعادة فتح الفضاء السياسي للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

وتابعت: لا يرجع قبول الحكم العسكري المتجدد والسياسات السلطوية في مصر إلى النفور العربي من الديمقراطية، لكنه رد فعل مشترك من نخب السلطة والطبقات الوسطى التي فضلت عدم الاستقرار في بلادهم؛ لأن التغيرات تهدد مصالحها، وهذا بالضبط هو نفس رد الفعل الذي يُفسر الدعم الشعبي للأنظمة الفاشية في أوروبا، وعودة الديكتاتوريات العسكرية في بعض دول أمريكا اللاتينية بعد عقود من الديمقراطية.

وتكمل "مارينا": لم تكن ثورة يناير كما أرادها الكثير من المصريين، فلم يكن هناك مشروع بعيد المدى للتحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كما لم يظهر للثورة قيادة لديها رؤية لمجتمع جديد، فضلا أنها كانت تمثل تهديدا ليس لآل مبارك وسدنته فحسب لكنها كذلك طالت شريحة أكبر بكثير من المهنيين والبيروقراطيين، فعقب نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كانت هناك مخاوف مما قد يحدث منهم ومن استراتيجيتهم لإدارة البلاد، وبحلول خريف 2012 كانت وسائل الإعلام تشن حملة لا هوادة فيها ضد مرسي، ونتيجة لذلك، أشاد كثير من المصريين بالانقلاب العسكري الذي نُفذ في يوليو 2013، وظلوا يصفقون للحكومة الجديدة التي فضت اعتصامات الإخوان بوحشية واعتقال الآلاف من المصريين المعارضين للنظام الجديد.

وتري الباحثة انهناك تطابق بين الأسباب التي جعلت الأوروبيين يقبلون الفاشية والأسباب التي دفعت المصريين عن طيب خاطر للعودة إلى الاستبداد، كان على رأسها السعي نحو التحرر والديمقراطية في ظل ظروف صعبة للغاية، كما حدث في ألمانيا وإيطاليا، كماأن الانفتاح السياسي لإحداث تغيير جذري في ظل هذه الظروف قد تعوقه ليس فقط النخب السياسية للحفاظ على قوتها ولكن أيضا المواطنين العاديين خوفا من المجهول، وهو ما تم اللعب عليه من خلال مصطلح "أخونة" مصر وكانت هذه هي الآلية التي أفضت بالمصريين لقبول الانقلاب.

وختمت تحليلها :بعدما تداول بعض المحللين مصطلح "نهاية الخوف" بعد ثورة يناير، جاء السيسي ونظامه ليؤسس للخوف، ويجعل له تأثيرًا كبير على مسار البلاد، ودعم سلطته بكل قوة، وذلك من خلال سيطرة النظام الجديد على الجيش والشرطة والسير ببطء لإحياء المؤسسات التي من شأنها أن توفر لها الواجهة الشرعية، بعد انتخابات برلمانية من المحتمل أن تعقد قريبا، إلى جانب كبح جماح السلطة القضائية. ومع القمع المستمر لكل أصوات المعارضة الأخرى ثمة حقيقة واضحة تؤكد أن النظام يريد أن يعود للسيطرة التي كانت موجودة إبان العقود الماضية ومحو ثورة يناير تماما.