بسم الله الرحمن الرحيم
إلى من حملوا همنا وسهروا من أجلنا وحرموا منا وحرمنا منهم .. إلى الأباء والأمهات والأخوه والأحوات
اعذرونا أيها الأحباب .. يا أهلنا يا ربعنا القادم لعدم وجودنا بينكم .. لتفضي لنا السجن والبقاء في داخله على العيش معكم وبجانبكم !!
أرسل إليكم من مقابر الأحياء .. من العالم المجهول بالنسبة إليكم
أحدثكم عن أرضنا وأوجاعنا وآلامنا .. لا لتنال شفقة علينا ولكن لنتقوى بكم ونشعر من خلالكم أننا مازلنا ولو عبر رسالة هى دليل شاهد على أننا مازلنا أحياء !!
أحداثكم عن أشواقى لحياتكم التى بت لا أعرفها .. عن الشمس هل مازال تشرق كل صباح ؟ عن القمر هل هو جميل أم أنكم تعيشون مثلنا بلا قمر بلا نجوم ...
لكننا مازلنا نسمع أصوات المطر فيعود بنا إلى تلك الايام الجميلة يوم كنا نلعب وحياته تتساقط علينا .. كنا صغارا وكانت لنا أغانينا الخاصة بالمطر
الاعياد هل ذاد عددها عندكم !! العيد هنا يختلف عن عيدكم في كل شئ .. أحتفل بنفسى في هذه الاعياد واستيقظ باكرا .. أجلس أمام باب قبرى وابدأ بالتكبير فلا اسمع إلا صدى صوتى يؤنس وحدتى .. بعد الصلاة ينتهى عيدى واعود لحياتى وأتناول حلويات صنعتها لى أمى ..! أتذوقها فأشعر بطعم دمعه حزينة في لسانى سقطت من عينى أمى وهى تصنعها لى ..!
أشواقنا كثيرة وأحلمنا جميلة .. وعالمنا خصص لقتل الحياة فينا بل وفوق كل ذلك يريدون مسح ذاكرتنا وإلغاء ماضينا حتى نصبح بلا حركة .. بلا أرض .. بلا وطن
فأيامنا الطويلة داخل السجن .. خلف القضبان وفى مقابر الزنازين .. في ذلك العالم البعيد عنكم بالعادات والتقاليد ووفق القوانين الخاصة المفروضة فيه والتى كانت تصلكم من رسائلنا كل فترة تحدثكم عن حالنا وأحوالنا ويخرج بين الحين والآخر من عندنا ناجىً يحدثكم ويروى لكم قصصنا
في هذه الفترة الطويلة قد جمدت مشعرنا وقست قلوبنا وغيرت ما فاهمينا وبدلت عادتنا وتقاليدنا التى ورثنها عندكم صغار فضاعت ذكريتنا معكم فلا عدنا نشتاق لى حياتكم الدافئة في أيام الشتاء والأحاديث الممتعة للوالد والوالدة ولمات العائلة في المناسبات وايام الجمعة وقد عدنا من صلتنا ف المسجد والأصدقاء وصحبتهم والسهر معهم والاحاديث المتنوعة .. البيوت والمساجد .. المدارس والجامعات .. الأسواق والحدائق والملاعب .. الرباط والجهاد والخروج ف المظاهرات .. الشعارات والهتافات ماعدت هذه الأشياء تعنينا .. ما عدنا نتذكرها أو نذكرها وكأنها مسحت من عقولنا بفعل الزمن فحياتنا اختزلت واختصرت ف عالمنا ف السجون التى نمضى فيها سنوات وانتقالنا من سجن الى اخر والتأقلم على أوضاعه
كم عام أنتهى وينتهى لآسرانا وآسيرتنا خلف القضبان ؟! سؤال مفتوح يبقى كالجرح المفتوح ويجب أن يسأله لنفسه كل ثائر وكل مجاهد يحترم نفسه وسلاحه ووطنه
لا خير فينا إلم نقولها ولا خير فيكم إلم تسمعوها .. نحن آسرى ولن أذيد .. أما أنتم فماذا !! مقاومون لماذا ؟ مجاهدون بماذا ؟ ثوار وثائرون على ماذا ؟ من أجل ماذا !!!
أترى سيحاسبنا التاريخ أننا قد تركنا أهلنا وانتفاضتهم بحث عن مشارعنا الشخصية في الوقت الذى يبتلع فيه مستقبلهم إنقلاب هزيل !! وهل هناك شئ لم يكتب بعد !! المعاناة والحرمان والقهر والتنكيل .. الصمود والتضحية .. معارك الأسرى اليومية مع السجن والسجان والأمراض واخرها أمراض اخواننا في العقرب .
كلكم يعرف ذلك وجميعكم يخطب ساعات طويلة بتفاصيل وتفاصيل معانتنا اليومية _ شكرا لكم وجزاكم الله كل خير .. لكنها سامحونى تبقى جعجة صوت ... سعارات وعبارات مالم يكن هناك فعل وعمل يغير الحال ويزيل جدار ويكسر الأغلال ... وهنا نسأل ويحق لنا ذلك ..
هل يعقل أننا كأسرى داخل هذه السجود فشلنا في شرح قضيتنا وتوصيل مطلبنا الوحيد !! زودتها ..! بل زدتها هكذا ستقولون ، اتمنى أن أكون مخطأ ً حتى أصوم .. بالله عليكم كيف أكون خطأ واخواتكم وحرائر شعبكم وكرامتكم وشرفكم خلف القضبان .. تحت رحمه سجان !!
الموت صديقنا ورفيق وربنا لقد كان الموت أحن منكم علينا ومنهم وأوعى لقضيتنا عندما خلصا خواننا من الهم ومعانتهم ومنحهم حرياتهم وبذلك حافظ على أغلى ما يمكلون عزتهم وكرامتهم
وفى الأمس القريب ودعنا أخوانا ماجد الحنفى ومن قبله عشرات الأخوه داخل سجون طره ووادى النطرون وغيرهم ... فعندما يكون الليل من الوحده ويرجون الفجر ليبزغ باكرا حتى لا يطول الظلام وما من طارق على الباب يبشرهم بعودة الحبيب الغائب من فجر التاريخ
عندها يخاطرك سؤال منذ متى والروح ليست جزء منهم !؟
أصعب شئ قد يتعرض له الإنسان هو السجن لأنه يفقدك أمرين مهمين جدا العزة والكرامة وأنت مطالب بالدفاع عن هذه الأمور ف كل لحظه حتى لا تستحقر نفسك حتى تبقى انسانا ً ، أرآيت لو أنك حبست غزالا ف قفص .. سيموت قهرا
هى معكرة مفتوحة عندما يغلق عليك الباب .. عندما يمنعك من اتحرك ويبقيك الساعات الطويلة داخل جدران الزنازنة .. عندما يضع القيود في يديك ، عندما يختار لك ما تأكل وما تشرب وما تلبس وما تقرأ ومتى تنام ...
عندما تجد نفسك تقوم من النوم فزعا لتجدهم حولك يعبثون باغراضك ويخرجون الزنزانة وتفتيشك عارياً .. عندما يصادر ارادتك ف كل شئ ويصبح هو المتحكم بها
عندما يمنعك من أن ترى الشمس وتنظر إلى القمر .. عندما يراك تموت ولا يعطيك الدواء
خيارات كثيرة متاحه لك ف الخارج أما السجن والآسر فلا يجود أمامك أى خيار إلا خيار واحد ووحيد .. أن تتعايش مع هذا الوضع !! فهى فتنة يتعرض لها اخوانكم
الىسرى ف كل لحظه وف كل يوم هناك الجيد لذلك هنا معارك الأمعاء الخاوية من أجل العزة والكرامة وحق علينا أن أذكر الشيخ أحمد السخاوى الذى مر على اضرابه اكثر من سنتين ولا يعلم بذلك أحد وهو الآن يموت داخل زنزانته لا يأكل سوا ثلاث تمرات وشربه ماء
هى معارك مفتوحة بين سجان يملك كل أسباب القوى المادية وسجين لا يملك إلا ارادة وعزيمة يعمل جاهدا للحفاظ عليها
هذه قضيتنا وكل معانتنا وآلامنا .. لن ينالوا من أغلى واعز ما نملك ، عزتنا وكرامتنا فهل هناك ثمن لهذه العزة والركرامة لو لقدر الله اهدرت !!
هل أمرهما والمحافظة عليهما يحتاج لقرار وحوار
هل المحافظة على حياة الإنسان عزيزا وكريما حولها جدل
هل تخليصنا من الموت يحتاج لنقاش يستغرق كل هذا الوقت
عيشوا معنا قليلا وتصوروا أن هذه حياتنا لسنوات فعندما ياتى الموت على سير شبان يبحثون عن الحياة وسط ركام الموت الذى يصنعه الإنقلاب ويقف أحيانا عند تفاصيلها ، مفرادات حكايتهم حتى نوادر مقاومتهم الرائعة فيبكى حين ً ويصحك حين ً آخر
ماذا سنقول لطفله كبرت فتزوجت فأنجبت ولا زال أبوها يعانى ألم الزنزانة ؟! جميعا مسؤلون عن ذلك .. لا أحد برئ من دموع هؤلاء الحرائر
الآن تنزف الأم الجريحة إلى بيت زوجها ف غياب والدها الآسير وغدا .. يسأل الحفيد عن جده
نحن على يقين أن الفجر قادم والنصر القادم والتحرير قادم ولأنكم مشغولون حتى عن أنفسكم .. كان الله ف عونكم
سندعوا لكم فهل عندكم دقيقة للدعاء لنا ...!
أسامة الغزالى
من داخل سجون الإنقلاب