" .. وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" {الأنفال: ٤١}
مرت بنا ذكرى غزوة بدر الكبرى، تلك المعركة الفاصلة التي تمثل أول مواجهة حربية بين المسلمين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة ومشركي مكة و كبرائها وسادتها .. هي أول مواجهة بين القلة المؤمنة التي فرت بدينها من مكة وعضت عليه بالنواجز، وبين الطغاة الجبابرة الذين عموا عن الحق وَصَدُّوا عنه وساموا المؤمنين سوء العذاب، حتي يرتدوا عنه، فما لانوا وما ضعفوا وما استكانوا، بل صبروا وصابروا وثبتوا على الحق كالجبال الرواسي، ولذلك كانت تلك المعركة هي نقطة التحول الكبرى في تاريخ الإسلام والمسلمين.
فيها انتصر التوحيد على الشرك، وظهر الحق على الباطل، وأيقن المسلمون أن قوانين النصر الإلهية تتجاوز الحسابات المادية، والقدرات الفنية والإمكانات العسكرية، فقد كانت استغاثة المؤمنين بالله الْوَاحِد القهار سلاحاً معنوياً نتجت عنه آثار مادية حسمت المعركة "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ" {الأنفال: 9}.
إن استحضار روح "بدر" واستلهام معانيها والوقوف على أسباب النصر فيها، مادية كانت أم إيمانية ومعنوية، من أهم مقتضيات وضرورات المعركة الدائرة اليوم مع خصوم الإسلام، أياً كانت أجناسهم وألوانهم.
إن درس بدر الكبير يعلم الأمة جيلاً بعد جيل أن الأخذ بالأسباب المادية واستفراغ الجهد والطاقة، و أن تفجير الطاقات الكامنة بالإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل، مع التوكل علي الله والتضرع إليه سبحانه وتعالي، هي من أهم أسباب النصر "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" {المنافقون: 8}.
وإن ثبات المؤمنين المجاهدين واستمساكهم بدينهم، مقدمين في سبيله أرواحهم ومايملكون، هي بشارة نصر جديد مثل نصر يوم "الفرقان"، وبالقوانين ذاتها التي تجلت في "بدر" .. و هذا يقيننا في الله.
نسأل الله تعالى أن يهيئ للأمة الإسلامية أسباب نصر تعلو فيه راية الحق وتندحر فيه قوى الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أكبر ولله الحمد
د. طلعت فهمي
المتحدث الإعلامي باسم جماعة "الإخوان المسلمون"
الخميس ١٨ رمضان 1437 هـ - الموافق ٢٣ يونيو 2016 م