شهدت زراعة القمح "المحصول الاستراتيجي" طفرة في إبان تمكن الرئيس مرسي من الحكم، سرعان ما تلاشت في عهد الانقلاب العسكري.


فعلى الرغم من احتفال قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يوم الخميس الماضي، ببدء حصاد القمح في مشروع المليون ونصف المليون فدان، وإعلانه الاهتمام بزراعة هذا المحصول الاستراتيجي، إلا أن الحكومة خالفت هذا التوجه، وتعنتت في استلام المحصول من المزارعين.


وتشهد محافظات مصر منذ عدة أيام تجمهر آلاف الفلاحين، وتكدس الشاحنات المحملة بالقمح أمام الأماكن التي تخصصها الحكومة لشراء المحصول من الفلاحين؛ بسبب رفض المسؤولين شراءه.


ويقضي النظام الزراعي المعمول به في مصر بأن يبيع الفلاحون كامل محصول القمح للحكومة بسعر تحدده هي مسبقا، وهو الأمر الذي يجعل الحكومة تتحكم في الأسعار وفي شروط توريد القمح.


ويقول مراقبون إن هذه الأزمة الجديدة تعكس بوضوح غياب التنسيق بين الجهات المختلفة في النظام المصري، ومن بينها وزارتا الزراعة والتموين، كما تظهر أيضا أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي يتخذ قرارات بعيدا عن الأولويات التي يفرضها الواقع، فبينما يروج الرجل لزيادة محصول القمح عبر زراعة مساحات جديدة من الأراضي المستصلحة، لا يجد المزارعون من يستلم منهم المحصول الذي حصدوه في أراضي الوادي القديم؛ بسبب تفضيل الحكومة للقمح المستورد الأقل سعرا عن نظيره المحلي.


غضب بين الفلاحين


وسيطرت حالة من الغضب على الفلاحين الذين هددوا في مناطق عديدة بإلقاء المحصول في الشوارع وأمام مباني مديريات الزراعة أو مقرات المحافظات؛ احتجاجا على رفض المسؤولين تسلم القمح منهم.


كما هدد فلاحون في محافظات الغربية والبحيرة والشرقية وكفر الشيخ بقطع الطرق بشاحناتهم المحملة بالقمح؛ اعتراضا على بطء استلام المحصول، أو تقييمه بأقل من قيمته، على الرغم من جودته العالية، حسب قولهم.


وفي المنيا، نظم المزارعون احتجاجات عديدة، بعد تخفيض مديرية الزراعة سعر التوريد عن المتفق عليه قبل بداية الموسم، وبالرغم من موافقتهم على السعر المنخفض، إلا أن الحكومة رفضت تسلم القمح منهم.


ويقول مراقبون إن التعنت الذي تبديه الحكومة تجاه المزارعين سيدفعهم إلى الامتناع عن زراعة القمح في المواسم المقبلة، ويهدد الدولة بأزمة حادة في هذا المحصول الاستراتيجي.


تبادل للاتهامات


وتبادلت وزارتا الزراعة والتموين الاتهامات، حيث قالت الزراعة إن التموين تسببت في الأزمة بعد تعمدهما إدخال القمح المستورد إلى مواقع تسلم القمح المحلي، ورفضها حظر الاستيراد خلال موسم التوريد للمحصول.


وقالت الزراعة إن التموين تعمدت عدم فتح الشون أمام المزارعين، ووضعت عراقيل أمام توريد القمح المحلي، وهو ما يثبت أنها تستهدف اللجوء للاستيراد لسد احتياجات البلاد من المحصول على حساب الإنتاج المحلي.


وناشدت الزراعة وزارة التموين بفتح "الشون" التابعة لها لاستلام القمح من المزارعين؛ للقضاء على مشكلة التكدس أمام مراكز التوريد في المحافظات.


بينما تقول وزارة التموين إنها تتخذ هذه الإجراءات حفاظا على أموال الدولة، بعدما اكتشفت قيام بعض التجار بشراء القمح المحلي من الفلاحين وخلطه بالقمح المستورد منخفض الثمن، ثم يقومون بإعادة بيعه مرة أخرى للحكومة باعتباره قمحا محليا؛ للاستفادة من فرق السعر المتمثل في الدعم المالي المقدم للفلاح المصري.


وتعد مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، حيث تستورد 11 مليون طن سنويا من 14 دولة؛ لسد العجز الهائل في الإنتاج المحلي، الذي يقدر بنحو 70 في المئة.