لجأت جريدة "لوموند" إلى طريقة جديدة للتنديد بـ"الإسلاموفوبيا" التي تتنامى في الجمهورية الفرنسية بشكل كبير عقب أحداث "شارلي إيبدو"، وذلك عن طريق التوجه إلى الفرنسيين ومخاطبتهم بلسان فرنسي مسلم، وسردت ما وصفته بـ"الأسبوع العادي" في فرنسا، والذي عرف مجموعة من الأحداث المتعلقة بـ"الإسلاموفوبيا".
"أنت فرنسي مسلم، وحتى لو لم تكن كذلك، تخيل نفسك مسلما لثلاث دقائق"، هكذا استهلت الصحيفة الفرنسية افتتاحيتها؛ حيث تطرقت إلى ما صرح به روبيرت مينار، عمدة "بيزيي" الفرنسية، الذي أشار في برنامج تلفزي بث على القناة الثانية الفرنسية، إلى أن مدارس مدينته تضم "64.6% من التلاميذ المسلمين"، وهي التصريحات التي قالت "لوموند" إنها توحي بأن العمدة قام بالاطلاع على لوائح التلاميذ بمدينته، وقام بـ"عدّ الأسماء الإسلامية بها".
وتابعت الصحيفة تقمصها لدور الفرنسي المسلم بالقول: "هل فكرت في يوم ما في طفلك الصغير الذي يدرس بالإبتدائي، وإمكانية أن يفكر أحد الراشدين الذين من المفترض فيه تكوين طفل متنور في أن يطرده من المدرسة بسبب اسمه؟"، تتابع الافتتاحية تساؤلاتها لتخلص إلى أنه منذ مدة طويلة لم يعد الفرنسيون يتفاجؤون من هكذا "استفزازات"، ومن "الشك" الدائم في المسلمين في شوارع البلاد.
وفي نفس السياق، تطرقت "لوموند" إلى تصريحات كريستيان ايستوري، عمدة مدينة نيس، الذي انتقد ما وصفه بـ"الطابور الخامس" الإسلامي، و"شبكاته المتسللة في أقبيتنا، ومرابد سياراتنا وفي أماكن سرية".
وتابع المصدر ذاته نقله لحديث ايستوري، المقرب من نيكولا ساركوزي عن كون "التوفر على بطاقة التعريف الفرنسية لا يجعل منك فرنسيا"، وعن كون الوقت قد حان "لاتخاذ إجراءات ضد " أعداء فرنسا الذين يحملون بطاقة تعريف فرنسية ".
وتساءلت الافتتاحية عما إذا كان المواطن الفرنسي قد فكر في تلك الأثناء في ابنه البكر؛ ذلك الطالب الفرنسي، الذي على الرغم من تعاقب ثلاثة أجيال من أجداده في البلاد، ما يزال الوحيد في محيطه الذي يشعر بأن جواز السفر الفرنسي غير كفيل بحمايته من الأحكام المسبقة الأكثر إساءة.
واسترسلت لوموند في مخاطبة الفرنسيين حول "الإسلاموفوبيا"، مذكرة بواقعة الفتاة المسلمة، سارة، التي تم منعها من ولوج المؤسسة التعليمية التي تدرس بها لا لشيء إلا لأنها كانت ترتدي تنورة "طويلة "، متسائلة إن كان قد تم تعليق ملاحظة على بوابة المؤسسة تنص على التدقيق في ملابس الطلبة.
"هكذا مواقف قد تجعل من سارة تعود إلى منزلها لتستبدل تنورتها بملابس أكثر "لائكية" أو تخلص نفسها من قميصها الذي يغطي الكثير منها". تتابع الصحيفة تساؤلاتها مشيرة إلى أن وزيرة التعليم، نجاة فالو بلقاسم، أكدت أن إدارة التعليم في الجمهورية تفاعلت بـ"بصيرة" مع موضوع الفتاة، ، قبل أن تضيف، الصحيفة، أن قانون 2004 يلتزم الصمت حول هكذا حوادث، ويكتفي بمنع "العلامات" الدينية في المؤسسات التعليمية.
وامتد الجدل حول الإسلام في فرنسا إلى مناهج التاريخ الجديدة في المرحلة الإعدادية ، تورد "لوموند" في الافتتاحية نفسها، فحسب البعض، هي تعطي مساحة كبيرة للتاريخ الإسلامي في العصور الوسطى، وذلك على حساب المسيحية.
"لا تعلمون شيئا عنه، وتعتقدون أن تاريخ الإسلام يحتل مكانة معقولة في المناهج، لكن هذا يوضح جليا أن الإسلام مزعج، حتى في كتب التاريخ"، تورد لوموند.
وأضاف المصدر ذاته في خطابه، أنه بإمكان المعنيين الاستعداد خلال الأسبوع المقبل للنقاش في البرلمان حول مقترح القانون الذي تقدم به اليسار الراديكالي حول منع العلامات الدينية في الحضانات ومراكز الترفيه الخصوصية.
بعد سردها لكل الوقائع السابقة، خلصت "لوموند" إلى أنها تعكس الحقيقية المعاشة يوميا في الجمهورية الفرنسية، "وريثة الأنوار وفخر العلمانية"، من خلافات "متكررة، بغيضة ، مهووسة"، تفتح المجال للمتعصبين من جميع الأطراف.
وخلصت الصحيفة في افتتاحيتها، إلى أن المتطرفين من الجهتين، على قلتهم، سواء من المسلمين، "الذين يشكلون أقلية قليلة" والذين يسعون إلى القطع مع قوانين الجمهورية ومبادئها، أو من المعادين للإسلام الذين لا يفوتون فرصة لوصم كل المسلمين باسم الجمهورية، كلا الطرفان يساهمان مجتمعين في نشر عدم التسامح والكراهية ورفض الآخر.