حازم سعيد :

في أول انتخابات نقابية حرة بعد الثورة اكتسح معلمو الإخوان انتخابات نقابتهم ، فتمكنوا من حصد أغلب إن لم يكن كل مقاعد النقباء باللجان التي تنافسوا فيها مع غيرهم ، والأغلبية الكاسحة من مقاعد العضوية في كل اللجان ، وقبلها بيوم واحد حصدت القائمة المنسوبة للإخوان – قائمة الإصلاح والتغيير – كل مقاعد هيئة التدريس بجامعة طنطا ، وهى إحدى الجامعات الرئيسية بمصر ، وقبل ذلك بشهر واحد انتخابات الصيادلة التى حصد الإخوان أغلب مقاعدها .
وهى أول انتخابات تجريها النقابات والهيئات الاجتماعية بعد الثورة ، وهى الهيئات التي كانت مؤممة من قبل النظام السابق الفاسد المخلوع .
هذه الانتخابات والأجواء التي أجريت فيها والنتائج التي أفرزتها توجب علينا بعض الوقفات كدلالات وكذلك كتبعات وموجهات للأداء الإخواني في المرحلة المقبلة :


أولاً : قدمت هذه الانتخابات شهادة الوفاة الحقيقية لفلول الحزب الوطني والبقية الخائبة من سدنة النظام السابق ، ورغم محاولاتهم وحيلهم والقضايا التى حاولوا بها إيقاف الانتخابات ، والحيل التى مارسوها لمنع كشوف كاملة لمدارس ذات ثقل جماهيري للإخوان ، رغم كل ذلك فإنهم دحروا دحراً ، وخابت كل مساعيهم وباءت بالفشل ، ليكون ذلك توثيقاً رسمياً لشهادة وفاتهم هم ونظامهم .


ثانياً : الجهد الذى بذله الجنود المعلومون والمجهولون في كل مراحل العملية الانتخابية من الدعاية وإقناع الزملاء والتصويت وخدمة المرشحين والمصوتين أمام اللجان وانتهاءاً بالتغطية الإعلامية ، كله جهد مثمن إيجابي يثبت وفاء الإخوان لدعوتهم وفكرتهم ، وأنهم حقاً رجال المواقف الصعبة ، ورجال الميدان الذين تجدهم حين تدلهم الخطوب ، وهو إن شاء الله جهد مشكور من الله سبحانه ، ونحسبه جهداً مخلصاً لوجهه الكريم .

ثالثاً : الثقة في الإخوان التي أولاها جموع المصريين من المعلمين ومن قبلهم أساتذة الجامعة وهيئة التدريس ليست وليدة يوم وليلة ، بل هي ثمرة توفيق الله أولاً وآخراً – وما بكم من نعمة فمن الله - .
ثم هو نتيجة كفاح مستمر ، وعطاء عملي إيجابي ، وقدوات ونماذج مشرفة ، وسلوك أخلاقي يعبر عن منهاج الإخوان المستمد من السنة النبوية المطهرة ، والتي تمثل مقولة أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – قمته : " كان خلقه القرآن " صلى الله عليه وسلم .


رابعاً : كذلك فإن نجاح الإخوان في قطاعات جماهيرية مثقفة – هيئة التدريس بالجامعة والمعلمين - يؤكد ويثبت بالدليل أن نجاح الإخوان ليس نتيجة خطاب عاطفي تخديري وعظي ، فإن مثل هذا الخطاب يصلح للجماهير والعامة الذين يمكن خداعهم بالكلام المعسول ، أما وأن الإقبال الجماهيري يأتي من قبل الفئة المثقفة فإنه أكبر دليل على أن الإخوان يمتلكون مناهج واضحة وأطر عملية وحلول ، وكل هذا يأتى فى إطار برنامج واضح المعالم مقنع يخاطب عقل المثقف فيقتنع به ، ويرضى به حلاً ، ويختار حاملي لوائه ليسيروا به فى الطريق .


خامساً : أثبتت الانتخابات تواجد الإخوان القوي بالشارع وبين الجماهير ، وأكدت اقتناع الناس بأفكار وآراء الإخوان ، وهو ما يعد لطمة قوية للعلمانيين والليبراليين الذين يحاولون الافتئات على الجماهير ، والالتفاف حول إرادتهم واختياراتهم باختراع مبادئ فوق دستورية ، وهذا التواجد ومن بعده الاقتناع والالتفاف الجماهيري حول الإخوان هو أكبر ضمانة وحماية لاختيارات الجماهير في استفتاء التعديلات الدستورية ، وأكبر صيانة لقراراتهم من التفافات العلمانيين ، فالناس فى الشارع قالوها صريحة للتيار العلمانى والليبرالى وفلول الحزب الوطنى : نعم للإخوان ومناهجهم واختياراتهم .


سادساً : كذلك أكد الإقبال الجماهيري على الانتخابات مع اختلاف المشارب وتزامن ذلك مع غياب الشرطة والجيش التام ، كل ذلك أكد بوضوح قدرة المصريين على الممارسة الديمقراطية الجادة والمحترمة ، والاختلاف في جو سلمي رائع ومهذب ، وهو ما يدحض حجج العلمانيين والليبراليين ورغباتهم الجامحة فى تأجيل الانتخابات البرلمانية أو إلغائها ، نعم أثبت الشعب أنه شعب ديمقراطي من الطراز الأول حين أقبل على الانتخابات برؤى وأراء مختلفة ، ورغم ذلك لم نسمع عن حادثة عنف واحدة ، هنا أشعر بالعزة وأنا أردد هتافاً من هتافات الثورة مر أمام عيني " ارفع راسك فوق انت مصري " .


سابعاً : أكدت الانتخابات حرص الإخوان على المشاركة لا المغالبة ، وبرغم النجاح الكاسح الذى حققه الإخوان فى المقاعد التى خاضوا المنافسة فيها ، فإنهم لم يشاركوا بأكثر من خمسين فى المائة من مقاعد النقابة على مستوى الجمهورية ، ورغم أن المقاعد المتنافس عليها تصل لأكثر من ثلاثمائة مقعد فإن الإخوان خاضوا المنافسة فى نصف هذا العدد ، وهو ما يؤكد صدق الإخوان فى مبدئهم " مشاركة لا مغالبة " ، ويؤكد التزامهم المجتمعي بمشاركة الآخرين لهم فى الإصلاح والتغيير .


ثامناً وكلمة أخيرة : هذه الأمانة التى طوقنا بها المصريون ، وهذه الثقة توجب على كل الإخوان من خاض منهم الانتخابات ومن لم يخض ، توجب علينا كلنا أولاً : شكر الله سبحانه وتعالى على هذا الإقبال من الناس وهذه المنة وهذا التوفيق ، وثانياً : استشعار العبء والأمانة التى أثقلت بها كواهلنا ، إنها أمانة تحتاج لمزيد من الأخلاق الرفيعة فى مواجهة الناس ، وتحتاج للتحقق بمبدئنا " خير الناس أنفعهم للناس " ، وتحتاج للعمل الجاد الدؤوب ، والكد من أجل الناس وخدمتهم ، وصيانة الأمانة التى وسدت إلينا ، وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه من الخير والعمل لنفع الناس .
وهنا أرى واجباً أن أختم بكلمات الأستاذ البنا مؤسس هذه الدعوة وقائد المعلمين الإخوان ، فقد كان رحمه الله معلماً – بالمهنة وبالفطرة وبحكم إرشاده للجماعة ، أختم بهذه الكلمات لنتدبرها ونحققها فى واقع حياتنا ، وليعلم قومنا الذين كللونا بثقتهم كيف ننظر إليهم نحن معاشر الإخوان - :
" و نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء.
وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا..
فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام.
و لسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلا، وإنما نعتقد قول الله تعالى: ( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وكم نتمنى – لو تنفع المنى – أن تتفتح هذه القلوب على مرأى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم والإشفاق عليـهم والتـفاني في صـالحهم ."
انتهى كلام الإمام وبه تنتهى المقالة والحمد لله أولاً وآخراً .
--------------
 
[email protected]