شرين عرفة :
بوجه متجمد ،ونبرة متعجرفة ،أجاب ملك التعذيب كما كان يطلق عليه في الغرب ،مدير المخابرات العامة في عهد مبارك ونائبه الأول بعد ثورة يناير على سؤال المذيعة الأمريكية "أمان بور" لمحطة "Abc news" حينما سألته عن إيمانه بالديمقراطية ، قائلا : "but when"
"ولكن متى؟.... لابد أن يؤمن الشعب المصري أولا بثقافة الديمقراطية كي يحصل عليها".
لواء المخابرات ،وذراع مبارك الأيمن والصديق الحميم لعدد من وزراء ورؤساء حكومات إسرائيل ،لم يكن يرى الشعب المصري أو أي من الشعوب العربية مؤهلا للديمقراطية أو يستحقها من الأساس ؛ تعرى الرجل الذي ظل متدثرا برداء الغموض،وافتضح عداءه الفج للديمقراطية، وكراهيته لحرية الشعوب.
للأسف الشديد .. مع أول إختبار حقيقي دخل فيه الشعب المصري ،الذي أبهر العالم بثورة نظيفه طالب فيها بحريته وحقه في الحياة ، رسب ما يقرب من النصف ؛ واختار 49% من شعبنا رئيس وزراء مبارك ،وأحد رجالاته الفريق "أحمد شفيق" في أول وآخر إنتخابات رئاسية حقيقية شهدتها البلاد، حصل على تلك النسبة ،على الرغم من أنه لم يعد الشعب بشيء على الإطلاق ، حاول كثيرا أن يخاطب المواطنين ،ولكن بدا وكأن به مس من الشيطان، كان الرجل يهذي ولا يكاد يبين ، لم يتمكن قط من تركيب عبارة واحدة سليمة، يفهم منها المصريون ما يريد ، ومع ذلك فقد أنتخبه ما يقرب من 12 مليون مواطن ،والسبب الوحيد : أنه يمثل النظام الذي ألفوا الذل على يديه واعتادوا على الركوع له،ولم يكونوا على إستعداد أن يضحوا بجحورهم المظلمة التي ولدوا بها ليخرجوا للنور الذي يخشوه وللحرية التي يخافون منها.
•وبفضل من الله وحده،نجحت الثورة في إيصال أول رئيس مدني يحمل أعلى الشهادات العلمية، الرئيس المحترم والشريف.. الذي عاش المصريون تحت حكمه عاما وحيدا ،يتيما ،استنشقوا فيه لأول مرة نسمات الحرية، وتذوقوا فيه طعم الكرامة.
•ولم ييئس العبيد، وظلوا لأخر لحظة يناضلون من أجل النوم ثانية تحت أحذية جلاديهم، و بمساعدة من هؤلاء مع دولة عميقة فاسدة، أستولى على حكم البلاد -بالمدفع والدبابة- مدير مخابرات مبارك ،وأحد جنرالات العسكر الذين أفسدوا مصر ونهبوها على مدار ستين عاما،فلم يكتف الشعب بإعادة نظام مبارك للحياة بجبروته وطغيانه، بل أعادوا نظاما أكثر وحشية وأشد حمقا وغباء، نظاما جعل من مصر أضحوكة للعالم كله، كما تنبأ بذلك خير من أنجبت مصر: المؤمن الفطن، الذي يرى بنور الله الشيخ "حازم صلاح أبوإسماعيل"
•تساءلت الصحف الغربية في مانشيتاتها الرئيسية: هل حدثت بالفعل ثورة في مصر؟
●يقف المواطن العربي بأسى يترقب الثورة الرائدة ،ينتظر الشعب الذي يتمتع بأعلى النسب بين العرب في التعليم العالي والجامعي، بعد أن صمدت ثورته ثلاث سنوات متتالية كانت تسير فيها بخطى واثقة، غبطتهم عليها الشعوب العربية كلها، كانوا يتطلعون للحرية، ويتمنون أن يروا شجرتها في تونس تفيض بالثمرات، ويأكل الشعب من خيرها،علها تعطيهم الأمل في غد أفضل.
و بعد خروج جميع أندية الربيع العربي من مونديال الكرامة صفر اليدين ،يجرون أذيال الخيبة، انتظر الجميع بشغف ما يظنونها المباراة النهائية ،
حيث يقف الشعب التونسي أمام ذواتهم ، في أول إختبار حقيقي لإيمانهم بالحرية والديمقراطية، ليختاروا ما بين نظامهم القديم والعلمانية في أبشع صورها ويمثلها "الباجي قائد السبسي"وزير داخلية "بورقيبة"، ورئيس مجلس النواب في عهد المخلوع الهارب "زين العابدين بن علي"
وبين الليبرالي المناضل والحقوقي المحترم"أول من تولى رئاسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان"، والأستاذ بكلية الطب والكاتب والمفكر الكبير "منصف المرزوقي" ابن الثورة التونسية،
فيرسب الشعب التونسي بنسبة 55% ، وينجح "السبسي" في رئاسة تونس.
●تطالع شعوب العالم في ذهول شاشات التلفاز ؛حيث يحتفل الكهل الذي بلغ من العمر أرذله بوصوله للحكم، تشاهد "السبسي" ذو الثمانية والثمانين عاما ،وهو يترنح في مشيته ،والتجاعيد تغطي ملامحه ،يمثل الوجه الكئيب لأنظمة عتيقة مترهلة، ثارت عليها شعوبها ،وضحت بخيرة شبابها لتختارهم طواعية ،فتعيدهم ثانية إلى الحكم.
وفي الناحية الأخرى من الشاشة يقف "السيسي" بضحكته الخرقاء كما وصفته الصحافة الإيطالية، يمثل دولة مبارك الفاسدة ؛التي أفقرت الشعب المصري و أذلته وهمشته ثلاثين عاما، لا تتضح أية فوارق بينهما سوى نقطة زائدة في اسم الأخير،
بينما يظهر في الخلفية منهما ..صورة "عمر سليمان" وهو يبتسم ابتسامته الصفراء ويهمس بصوته الرخيم قائلا : "but when"
•يتساءل الجميع: متى يمكن لتلك الشعوب التعيسة في شرق العالم أن تصنع حريتها وتقدمها؟!!
●ويبدو أن إجابة هذا السؤال المؤلم تكمن في قصة بني إسرائيل،حين حكم عليهم ربهم بأربعين سنة يتيهون في الأرض، كي يتخلصوا من جيل مريض ،لا أمل من شفاءه ،رسخ عقودا تحت نير العبودية ؛ حتى اختلطت أغلال الذل بكريات دمه.
••فكم يا ترى سيحتاج عالمنا العربي من سنوات للتيه، قبل أن يسير جيل الشباب -صانع الثورات- في طريق حريته وكرامته؟؟