بقلم: صادق أمين

 
لقد أجبرت فصائل المقاومة العدوَ قبل الصديق على رفع القبعة للشعب الفلسطيني خاصة غزة الأبية، التي صفعت العدو الصهيوني صفعات من العيار الثقيل على المستويين العسكري و السياسي.
 
و لقد كان المنطلق من وعي المقاومة الباسلة أنها ما للكلام الخفيف خُلقت؛ إيماناً بقول الله ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )  و لذا حرصت المقاومة كل الحرص على أن  يكون فوها ليس أكبر من قدراتها، و عصاها ليست أطول من قامتها.
و هذا بالضبط  ما وصى به الإمام الشوكاني-رحمه الله- : ( و ينبغي لمن كان صادق الرغبة قوي الفهم ثاقب النظر عزيز النفس شهم الطبع، ألا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغين له إلى أعلى ما يراد وأرفع ما يستفاد، فإن النفوس الأبية، والهمم العلية، لا ترضى بما دون الغاية ).
 
فعملوا و كافحوا لإيمانهم العميق بأن النصر فوق الرؤوس، يتنزل في الوقت الذي يريده الله و بالكيفية التي يقدرها، و أن عطاء الله فوق ما يرجون؛ فإن نبي الله موسى _ عليه السلام _ ذهب يلتمس ناراً فعاد بالنبوة و الرسالة.
 
و أحسنوا التربية على ألا يعطوا الدنية في دينهم مهما كانت التحديات و المخاطر إيماناً بقول رسول الله : ( مَنْ يُرد الله به خيراً يُصِبْ منه ) و ما كان قولهم إلا أن قالوا ( ربنا أفرغ علينا صبراً و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين ) ليفيض الله عليهم الصبر فيضاً؛ يفرغه عليهم فيغمرهم، و ينسكب عليهم طمأنينة و احتمالاً للهول و المشقة.
 
و مهما ادلهمت الخطوب و تناثرت الشرور فما ضعفوا و ما استكانوا؛ بل كافحوا و ناضلوا و جاهدوا شكراً لله على أن جعلهم ستاراً لقدرته؛ يفعل بهم ما يريد و ينفذ بهم ما يختار، لسان حالهم نحن عباده، اختارنا للعمل له و لتنفيذ مشيئته و هذا منة من الله و فضل و نحن نؤدي هذا الدور المختار و نحقق قدر الله النافذ، ثم يكرمنا الله _ بعد كرامة الاختيار _ بفضل الثواب.
 
و شعارهم ( احرص على الموت توهب لك الحياة ) و منه كانت خياراتهم مفتوحة لمواجهة العدو الصهيوني و إذا كان الشعب الفلسطيني قد تكبد تضحيات جساما هذه المرة، لكن هذه التضحيات هي التي تمنع الخسائر مستقبلا و هذه الدماء الزكية التي نزفت على أرض غزة تشكل الدرع الحصين الذي يردع بني صهيون عن القيام بمغامرات عسكرية مستقبلا و لقد استشهدوا من أجل الحياة، من أجل أن يحيا الشعب والوطن، وقهروا ذلك الجيش الذي بات يُقهر.
 
و إذا كانت صناعة الأمل تُعد من الصناعات الثقيلة، فقد حازت غزة الأبية مركز الريادة منها، إذ عبرت بإنتاجها الحدود لتصل إلى كل مجتمع فقد الطمأنينة و لم يكتسب بَعْدُ روح الكفاح و البروز إلى المشكلات وجها لوجه؛فأحجم عن دخول حلبة الكفاح، و لتضع بين يديه نموذج المقاومة التي عصبها بناء الإنسان الذي سيُجري الله على يديه النصر، و أن أساس بنائه أن يرفرف علم الإيمان في قلبه قبل أن يرفرف على السواري؛ ذلك أن هذه الأمة لن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها؛ إذ نحن أمة ما للكلام الخفيف خُلقنا.