محمد حامد عليوة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ، محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد .
إن دعوة الإخوان المسلمين ، دعوة إسلامية أصيلة ، دعوة قيم ومبادئ ، تستمد قوتها من منهجها الرباني ، ومعينها القرآني ، وهدي نبيها النوراني ، وبالتالى ستبقى - بمشيئة الله - حية قوية ، مهما مكر بها الماكرون ، ووقف فى طريقها الطغاة والمجرمون ، فى كل عصر ومصر .
نتذكر هذه المقولة الكريمة (بقي الإخوان وذهب الطغيان) فى اليوم الذى يظن فيه الباطل أنه تمكن من مصر وأهلها ، وتولى عرشها الذى اغتصبه من رئيسها الشرعي ، وحنث قسمه وأخلف وعده وغدر بمن استأمنه .
نتذكرها والحرب تدور رحاها على الدعوة - قيادتها وشبابها وحرائرها ومنهجها ومؤسساتها وتاريخها.. إلخ – للنيل منها وتشويه صورتها وإلصاق التهم الكاذبة بها .
نتذكرها والباطل مزهو بانتصاراته المزيفة ، وسلطانه الهش القائم على القهر والقتل ، وبانتفاشته الخاوية القائمة على الخداع والغش .
نتذكرها وكلنا يقين فى وعد الله الصادق (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الكهف 98 ، أن هذه الدعوة الأبية الطاهرة النقية لاتزيدها المحن إلا قوة وثباتا . وأن الله سيظهرها وينصرها على قوى الشر والطغيان مهما أوتوا من قوة وسلطان .
بقي الإخوان وذهب الطغيان
وبالنظر فيما ذكره الشهيد سيد قطب رحمه الله : (بقي الإخوان وذهب الطغيان) ، نلاحظ منه اليقين الصادق بوعد الله فى نصرة دعوته وأولياءه ، وهلاك الطغاة المتجبرين من أعداءه .
لقد صدع بها – رحمه الله – قبل أن يرى بعينيه هلاك الطغاة الذين أذاقوه وإخوانه ألوان العذاب . إنها النظرات العميقة فى كتاب الله ، هذا الكتاب الخالد الذى نرى آياته المحكمات تتحدث عن هلاك الظالمين ومصارع الطغاة ، ونصر المؤمنين والدعاة بصيغة الماضي ، وهو تأكيد على وقوعها وثبوتها لا محالة ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171- 173) الصافات .
فاطمئنوا أيها الأحبة ، فلن يفلت الطغاة من وعد الله ، ولن يفروا من عقاب الله العاجل أو الآجل ، فهم فى قبضة الجبار ، الذى يمهل الظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . فأين من وقفوا فى وجه دعوته من الظالمين ؟ وأين من تكبر على أولياءه من الطغاة والمجرمين ؟ (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) 47 إبراهيم . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
وإن حال أبناء هذه الدعوة مع المحن والشدائد ، وأمام قوى البغي والعدوان ، هو كما بينه الإمام البنا قائلا : (ولكنها – أي المحن والعقبات – تمر بكم مراً رفيقاً رقيقاً ، يُقوي ولا يُضعف ، ويُثبت ولا يُزعزع ، ويُنبه ولا يُوهن ، ويزيدكم بنصر الله إيماناً وبرعايته ثقة ؛ لأنكم بكلمته تنطقون ، ولدعوته تعملون ، فأنتم لذلك على عينه تُصنعون (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك فَإِنَّك بِأَعْيُنِنَا) الطور 48 . ومن هنا كان واجبكم أكبر الواجبات ، وكانت تبعاتكم أثقل التبعات) رسالة مؤتمر رؤساء المناطق والشُعب 1945
فلنأخذ من التاريخ العبرة
والتاريخ يثبت ذلك ويؤكده ، فلم يقف طاغية فى وجه هذه الدعوة بغير حق إلا أذله الله ، وقصم ظهره ، ورأى الناس فيه العبرة ، وبقيت الدعوة وذهب من طغى عليها ، وإليكم هذه المشاهد.
1- ففى عام1949 قتلوا الشيخ حسن البنا ، ووقفوا أمام دعوة الله ، وبعد أقل من 3 سنوات زال ملك فاروق فى 1952 ، وخرج من مصر صاغرا ذليلا ، وبقيت دعوة الإخوان .
2- وفى عام 1954 اعتقل جمال عبد الناصر الآلاف من الدعاة والمصلحين ، وأعدم الشيوخ والعلماء ، وظن أنه قضى على الدعوة ، بتشريد أبناءها فى الداخل والخارج ، وخرج من فر منهم بدينه يعمل لدعوته وينشرها ، وثبت من ثبته الله منهم فى سجون الظلم والطغيان . ونزل بمصر العدوان الثلاثى 1956، فزالت الغمة والطغيان وبقيت وانتشرت دعوة الإخوان .
3- وفى عام 1965 اعتقل جمال عبد الناصر الآلاف ، وأعاد اعتقال من سبق إعتقاله ، وقدم الشرفاء إلى أعواد المشانق وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب ، وتبارى زبانيته فى تعذيب الدعاة والمصلحين والعلماء ، فكانت نكسة 1967 ، وبعدها بسنوات يهلك الطغاة ويقدم بعضهم للمحاكمات ، ويرى الدعاة جلاديهم وقد دخلوا السجون وأذاقهم الله بعضا مما أذاقوه لعباده .
4 - ومع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى بدأت الملاحقات والمحاكمات لأبناء الدعوة ومحاصرة أنشطتها والتضييق عليها ، وتلفيق التهم والمحاكمات العسكرية لأبناءها ، وقد بلغ الظلم ذروته حين شارك نظام حسني مبارك فى حصار أهل غزة الشرفاء ، ولم يغيثهم تحت قصف اليهود ، واستمر فى ظلمه حينما زور نظامه إرادة الأمة فى انتخابات 2010 فسقط عرشه وزال ملكه فى 2011 ، وبقيت دعوة الإخوان . وهكذا .
وختاما :
أبشروا أيها الأحبة ، وعلقوا القلوب بمولاكم ، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال ، وتيقنوا من وعد الله بنصر أولياءه وفضح أعداءه ، فبعد البغي والطغيان يأتى الخزي والخسران . وإن شاء الله سيبقى الإخوان ويذهب الطغيان ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف 21.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين