عبد الوهاب عمارة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد .
فإن مصر قد أبهرت العالم بثورة الخامس والعشرين من يناير وها هي تبهر الجميع من جديد بمقاطعتها للمسرحة الهزلية لانتخابات الانقلاب
وإنه لفضل من الله أبهر الجميع , ونصرٌ من الله مبين , فإن الانتخابات لم تكن بين مرشح عسكري وكوبارس , بل كانت بين ثورة وانقلاب , استفتاء علي الشرعية والرئيس مرسي , معركة بين أجهزة أمنية ومخابراتية وأجهزة معلوماتية وأجهزة إعلامية كلها مسخرة لقتل الثورة وللتشويه والتضليل والكذب والنفاق والتعريـ* ومحاولة خداع الناس وإشاعة الفتن والذعر وإرهاب الناس من الإسلام والإسلاميين , والطرف الثاني الشعب العظيم الذي حقق الله له إرادته وتصميمه علي رفض الانقلاب والعسكر وينتخب الإخوان والرئيس الشرعي رغم أنهم إما في القبور أو السجون أو مطاردين خارج البلاد , بفضل الله أولا ثم بحكم إرادة شعب أبيِّ لا يرضى بالضيم, وهذا الشعب هو هو القادر علي الاستمرار في ثورته حتى يحقق أهدافها كاملة غير منقوصة ولن يرضي أبد بحكم العسكر ولن يرضي أبدا عن الشرعية بديلا .
وها هو يؤكد للعالم أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري ولم يكن يوما إرادة شعبية أبدا .
فالحمد لله أن استجاب لدعوات وابتهالات ودموع الساجدين وأمهات الشهداء والجرحى والمكلومين ولم يخيب ظنهم وسعيهم وما هذه إلا بشرى .
{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال :10)
وليس الفضل لأحد غير الله {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس :58)
ودرس هذه الانتخابات الهزلية يفيد وبكل تأكيد أن هناك إرادة عليا لا تُقهر , إنها إرادة خالق هذا الكون , إرادة الحارس الحافظ الذي يحرس مصر ويحقق لشعبها عزته, إرادة المغيث الذي أغاث مصر وأنقذها من الهلاك علي يدي يوسف الصديق عليه السلام , وأنقذها من بطش فرعون علي يد موسي عليه السلام يوم أن كان طفلا رضيعا أمه تحار به أين تخبئه .
يقول سيد قطب : إن سورة القصص تعرض قوة الحكم والسلطان . قوة فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر؛ وفي مواجهتها موسى طفلاً رضيعاً لا حول له ولا قوة ، ولا ملجأ له ولا وقاية . { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطراً على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر( بني إسرائيل )؛ ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف .
ولكن الله يريد غير ما يريد فرعون؛ ويقدر غير ما يقدر الطاغية . والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم ، فينسون إرادة الله وتقديره؛ ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون ، ويختارون لأعدائهم ما يشاءون . ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون .
والله يعلن هنا أرادته هو ، ويكشف عن تقديره هو؛ ويتحدى فرعون وهامان وجنودهما ، بأن احتياطهم وحذرهم لن يجديهم فتيلاً :{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} .
فهؤلاء المستضعفون الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير ، فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، ويسومهم سوء العذاب والنكال . وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه؛ فيبث عليهم العيون والأرصاد بأجهزة أمن دولته ونظامه ، ويتعقب نسلهم من الذكور فيسلمهم إلى الشفار كالجزار!
هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد؛ وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيداً ولا تابعين؛
ولكن قوة فرعون وجبروته ، وحذره ويقظته ، لا تغني عنه شيئاً؛ بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير ، المجرد من كل قوة وحيلة ، وهو في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية ، وتدفع عنه السوء ، وتعمي عنه العيون ، وتتحدى به فرعون وجنده تحدياً سافراً ، فتدفع به إلى حجره ، وتدخل به عليه عرينه ، بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه ، مكفوف الأذى عنه ، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه! ويتجلى عجز قوة فرعون وحيلته وحذره عن دفع القدر المحتوم والقضاء النافذ :{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ }
ودلت هذه السورة وتلك القصة على أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزاً والصلاح حسيراً؛ ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال . عندئذ تتدخل يد القدرة سافرة متحدية ، بلا ستار من الخلق ، ولا سبب من قوى الأرض ، لتضع حدا للشر والفساد .
والشرّ حين يمتحض يحمل سبب هلاكه في ذاته؛ والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر؛ بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم ، فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم ، وتربيهم ، وتجعلهم أئمة ، وتجعلهم الوارثين . (في ظلال القرآن بتصريف كبير)
وتبدأ القصة بوحي الله لأم موسي أن تأخذ بالأسباب حتى وإن كانت واهية وتتوكل وتسلِّم أمرها لخالق الأسباب وعندئذ فلا خوف ولا حزن لأن للكون
ربا يدبر شئونه وله إرادة نافذة لا تٌغلب , ومع ذلك البشارة برده إلي أمه وفوقه أنه من المرسلين {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
وهنا ينصر الله الحق بتسخير فرعون وجنده وقصوره وأمواله لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ففرعون هو من يحرص علي تربية موسي ودفع الأجرة لأمه علي إرضاعه {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
لنعلم أنه هناك قوة واحدة وإرادة عليا , قوة الله وإرادة الله . وأن الله يريد بمصر خيرا وإن شاء الله يسلك بها طريق الخير والرفعة . وإلي أستاذية العالم إن شاء الله وستكون بشري رسول الله صلي الله عليه وسلم بخلافة راشدة علي منهاج النبوة ؛ ولايات متحدة عربية إسلامية علي يد المخلصين من أبناء الوطن وبقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي .
فتقدموا واصبروا وصابروا واتقوا تنصروا بإذن الله .
اللهم احفظ مصرنا واجعلها دوما بلد الأمن والأمان إنك ولي ذلك والقادر عليه يا رب العالمين وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
------------
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف