محمد حامد عليوة :
الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب رسول الله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وبعد
إن لله فى خلقه شئون ، و (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، وله سبحانه سنن لاتتبدل ولا تتغير ، ومن سننه فى الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل ، هو إمهال الظالمين المعتدين من أهل الزيغ والضلال والظلم والفجور ، يمهلهم ولا يهملهم (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) ، حتى إذا أخذهم – بظلمهم واجرامهم واستكبارهم فى الأرض - ، أخذهم أخذ عزيز مقتدر ، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً) ، يعني أخذة زائدة شديدة ، لأنه سبحانه (عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) وهو سبحانه (سَرِيعُ الْحِسَابِ) وهو سبحانه (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ، وأنه سبحانه (مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) .
وفى الوقت الذى تسرى فيه سنته سبحانه وتعالى ، وتتحقق مشيئته فى الظالمين والمجرمين ، نجدها أيضا فى عباده الصالحين وأولياءه المتقين الصابرين الثابتين ، سنة باقية ومشيئة نافذة ، فهو سبحانه يرعاهم ويحفظهم ، ويمن عليهم ، ويمكن لهم ، طالما وثقوا فى ربهم ، وتعلقت قلوبهم بمولاهم ، وثبتوا على الحق وإن قل الناصر والمعين . (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) فاطر 43 .
والإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – له فى هذا الأمر بيان بليغ ، ولا سيما فى خواطره وتعليقاته على مقدمة سورة القصص ، وهذا بيان بما ذكر :
وإنك لتقرأ الآية الكريمة في أول سورة القصص : ( طسم , تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ , نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ , إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ , وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ , وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص:1-6) .
تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته و يعتز بقوته ، ويطمئن إلى جبروته و يغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصر المهضومين المستضعفين ، فإذا الباطل منهار من أساسه ، وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون .
وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه. فمتى يتفقه المسلمون في كتاب الله ؟
لمثل هذا يا أخي وهو كثير في دين الله لم ييأس الإخوان المسلمون من أن ينزل نصر الله على هذه الأمم رغم ما يبدوا أمامها من عقبات ، وعلى ضوء هذا الأمل يعملون عمل الآمل المجد و الله المستعان). رسالة دعوتنا
فأبشروا أيها الأحبة ، وعلقوا القلوب بمولاكم ، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال ، ولن يظل المستضعف فى الله مستضعفاً أبد الدهر ، فبعد الأذى والاستضعاف يأتى التأييد والتمكين ، ولن يظل صوت الباطل عالياً طول الوقت ما دام الحق موجود قائم ، فبعد البغي والعلو والاستكبار سينالهم الخزي والشنار ، والهلاك والصغار ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين