بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا علي الظالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين
وبعد
يشعر بعض المعارضين للانقلاب بشيء من استبعاد عودة الشرعية وعودة الرئيس ويقولون :حتى لو عاد الرئيس فكيف ستسير الأمور مع كل هذا الفساد وإحراق البلد والضياع الاقتصادي ؟!وينتابهم شيء من اليأس والقعود والاستسلام .
ويدَّعي كثير من مؤيدي الانقلاب استحالة عودة الرئيس والشرعية ويعلوهم الكبر والخيلاء .
والذي يحمل أولئك علي شعورهم وهؤلاء علي ادعائهم هو عدم معرفتهم بالله الحق .
وإلي هؤلاء وأولئك يقص القرآن أحسن القصص ليربط علي قلوب المؤمنين وينذر المعاندين لعلهم يرجعون .
محاجة النمرود:
يحكي القرآن الكريم حواراً بين إبراهيم عليه السلام وملِك في أيامه يجادله في الله .
فيا كل غادر مكار متكبر مختال ويا كل مستضعف مطارد ألم تقرأ في كتاب الملك القدير عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ... } [البقرة : 258] فهذا الملك المتجبر نسي ربه وعاند وتكبر واختال {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} وظن لأنه مَلَكَ أنه هو القيُّوم المدبِّر وأنه بيده مقادير الأمور فيحكم علي هذا بالإعدام وعلي ذاك بالمؤبد ويمنح غيرهما البراءة , وما من أمر يفكر فيه إلا سارع عبيد بيادته إلي تنفيذه , ويلهثون لإرضائه ولا يجرؤ أحد علي عصيانه فهو إذا إله يحيي ويميت .
 ولا شك أن هذا الملك كان له مواطنون شرفاء – طبعا كما يدعي إعلامه – يصدقونه ويحملونه علي تصديق نفسه وربما طلب منهم تفويضا لمحاربة إرهاب إبراهيم فنزل النساء يرقصن علي أغنية تسلم الأيادي وتسلم العقول التي تفكر هذا التفكير ووصفوه بالفحولة وأنه جذَّاب للنساء والرجال وحملوا بيادته علي رؤوسهم . ولا شك كذلك كان المنتفعون من تأليهه يصفقون له ويساندونه , وما من ملك ظالم إلا له جيش وشرطة يقمعون المعارضين , وقضاة يبرئون المتهم ويتهمون البرآء .
وظنَّ كل هؤلاء بجهلهم بالله أن الله خارج هذه المعركة أعني معركة الحق والباطل وكان يجدر بهم أن يتوجهوا للواحد القهار بالشكر والعبودية فهو الذي وهبهم الملك الذي به يتجبرون ومنحهم العقل الذي به يمكرون , خدعهم ملكهم وخانهم تفكيرهم .
{ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } وليس الإحياء والإماته التي توهمها هذا الملك بضآلة تفكيره , بل هو سبحانه خالق الموت والحياة وخالق ما في الكون من الفيرس إلي المجرة ولا يعجزه شيء , أوليس الذي خلق بقادر علي أن يدبر وينصر ويحفظ خلقه وعباده ؟!!
وما تمادي إبراهيم في دحض هذه الخرافة فهي مردودة بنفسها فهل يستطيع هؤلاء علي تحصين أزواجهم وبناتهم من الرذيلة ومن أن يفضحوهم فتتحدث بعجزهم كل الألسنة وماذا لو تسلل الفيرس إلي أجسادهم أو أجساد أبنائهم فتحولوا إلي لحم علي عظم فهل سيمنع سلطانهم عنهم الأذي فضلا عن الموت .
فيا أيها المتجبر يا من نسيت نفسك وحاربت ربك { ... فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } إن للكون سنن فإن كنت ربا فلتغير هذه السنن فلتخترع علاجا للسرطان أو الإيدز الذي قد يصيبك وإن لله إراده فلتعيرها إن استطعت {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }إنهم يكذبون ويعلمون أنهم يكذبون وكذبهم واضح ولكنهم يكابرون وحتى لو أفلسوا وما عادت لهم حجة أو دليل فهم يراوغون ويزداد بهتانهم وتلفيقهم {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ويختم ربنا الحوار بهذه السنة فلا هداية للظالمين لأنهم ما أرادوا الحق يوما وما قصدوه ولو رغبوا فيه لهداهم الله إليه .
ويا لحقارة هذا المتأله نهايته بحشرة هو لا يساوي أكبر منها أصابه الله بحشرة أو قُلْ فيرس استقر في رأسه فكان لا يهدأ إلا بالضرب بالنعال علي أم رأسه وهكذا يصنع الله بالجبابرة الغادرين .
ما شاء الله كان :
{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا }هذا المار الذي لم يصرح القرآن باسمه مر علي القرية التي لم يصرح القرآن باسمها وجد خرابا في كل شيء خالية من الناس لا عمار فيها فقد خربت بناياتها وحتى ساكنوها ما بقي إلا حطامهم لقد مات كل شيء  . 
وقف هذا المار متعجبا متسائلا { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } إنه يؤمن بالله وأنه القيُّوم والناصر والمعين ولكنه يتساءل عن كيفية إزالة كل هذا الخراب والظلم والجبروت الذي دمر هذه القرية فلا يوجد سبب واحد يدعوا إلي التفاؤل فكيف تبنى نهضة من جديد علي هذا الركام ؟!
يقول سيد قطب :لم يقل له كيف إنما أراه في عالم الواقع كيف ! فالمشاعر والتأثرات تكون أحياناً من العنف والعمق بحيث لا تعالج بالبرهان العقلي،
 ولا حتى بالمنطق الوجداني؛ ولا تعالج كذلك بالواقع العام الذي يراه العيان , إنما يكون العلاج بالتجربة الشخصية الذاتية المباشرة ، التي يمتلىء بها الحس ، ويطمئن بها القلب ، دون كلام! فمثلا لو ظللت تحكي للمؤيدين للسلطة الغاشمة في مصر عن ظلمهم وجبروتهم فهم عبيدهم فإذا ما ذاقوا هم ظلمهم وطغيانهم كان التأثير بالغا { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَه} ويذكرني هذا بالثورة المصرية التي قدر الله لها انقلابا ويخوض الناس تجربة عملية في ثورة تتجدد ليتمايز الناس ويعلم الجميع علم اليقين الثوار الحقيقيين ومن يحرصون ويضحون في سبيل الله فداءا للوطن وحراسة للشريعة وتسقط الأقنعة عن مدعي الثورية ومن يزعمون حماية الشريعة ولو بذلنا كل ما يمكن ما كنا نصل لعشر أو عشير ما دبَّره الله .
{ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ } ومائة عام في عمر الزمن وقت قصير ولا حساب للزمن ولا عبرة للقوانين المادية عند الله فهو لا يحتاج إلي سبب ليفعل ما يريد { فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } الطعام الذي لا يلبث وقتا ويتغير ظل مائة عام وبأمر الله لم يتغير { وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ } الحمار والعظام التي تبقي سنوات هلكت ومات الحمار وتحلل , إنها أيات الله { وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ } فانظر أيها السائل لتري كيف يحيي الله الموات ويعمِّر الخراب {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } إنه يري ويشاهد عظام حماره وهي تتجمع وتلتحم وتُكسى لحما وعصبا وعروقا ودما وتدب فيها الحياة من جديد أرأيت أيها السائل وتيقنت في قدرة الله وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!؟؟ { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} نعم أعلم هذا وأنا أعلم أهل الأرض بهذا فقد رأيته رأي العين وعشته بنفسي . وقراءة أخرى {قَالَ اعْلَمْ } أمر له ولكل من يقرأ القرآن أن يعلم ويتعرَّف علي الله ويتيقَّن أن الله علي كل شيء قدير فلا يسأل : كيف ؟ مع قدرة الله .
والثوار الأحرار وعلي رأسهم الزعيم الدكتور محمد مرسي عرفوا أن الله علي كل شيء قدير فحملهم علي الصمود طوال هذه الأشهر .
ولكن ليطمئن قلبي:
وأعلم أنكم تتطلعون إلي إحقاق الحق ونصر من الله وفتح قريب وإلي يومٍ تُرَدُّ فيه المظالم ينال الشهداء حقوقوهم وينال الظالمون جزاءهم وتتشوقون إلي تحقيق وعد الله للمؤمنين الصابرين وإنه لآت بإذن الله ومن أصدق من الله قيلا ؟!!!
وهنا وقفة مع الخليل إبراهيم عليه السلام إنه يؤمن تمام الإيمان أن الله علي كل شيء قدير,وإحياء الموتى غيب ويريد أن يجعله شهادة ويجعل علم اليقين عين اليقين فيري ويشاهد سر الصنعة الإلهية ويري قدرة الله وهي تعمل { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(البقرة :260) ربَّنَا إننا نعلم أنك علي كل شيء قدير وأنك عزيز حكيم غير أننا نتشوق إلي مشاهدة قدرتك وعزتك وحكمتك في دحض هذا الانقلاب وكسر هذا الظلم ونشتاق إلي الحرية ونرنوا إلي ميزان العدالة القويم ونأمل أن نكون من جيل النصر ومن رجال تقام علي أيديهم خلافة راشدة تُحرَّر فيها المقدسات ويُعزُّ فيها الإسلام ويَرفع المسلم رأسه عزة بالله وبدينه وظَنُّنَا بك أنك لن تخذلنا أبدا .
معرفة الله قوة وحفظ:
إذا كنت مع القدير شعرت بالقوة وإذا عرفت قدرة الله عز وجل تشعر بالضعف أمامه وتري نفسك صغيرا بدون معونته ويحملك هذا علي العدل والإنصاف خوفا من بطشه وحبا في معيته إذا عرفت الله وقدرته وقدره خضعت له واستعنت به واعتمدت عليه وتوكلت عليه فأصبحت أقوى الأقوياء وإذا عرفت قدرته صَغُرت نفسك ووقفت عند حدها وافتقرت إليه
ولذلك تري الأحرار في ميادين الحرية والجهاد قلوبهم معبأة بالثقة في النصر وكسر الانقلاب لا لأننا أقوياء ولا لأننا كثرة ولا لأننا نملك أسباب النصر ولكن  لأننا نحتمي ونتوكل ونأوى إلي ركن شديد إلي القوي العزيز .
تخيل شخصا عنده قضية في المحكمة  ومعه محام ماهر,موسوعة قانونية لم يخسر قضية في حياته نحن هذا,الشخص قضيتنا الشرعيِّة ومحامينا الله
وكلَّنَاه وفوَّضنا الأمر إليه .
تخيل شخصا عنده عملية جراحية وذهب إلي جراح عالمي صاحب خبرة ومهارة عالمية وأجرى نفس العملية مرات عديدة بنجاح ويسر وسهولة فهو مرتاح البال واثق من شفائه , وقد أصيبت مصر بمرض عضال يسمى الانقلاب والغدر وهي الآن في غرفة العمليات وطبيبها الشافي الكبير المتعال القدير العزيز الحكيم الذي مجرات الكون بيده ولا يعجزه شيء في أرض أو سماء . إذا فلتستقر قلبا ولتهدأ بالا.
إنه الإيمان . والثقة . والاطمئنان . . الإيمان بالله ، والثقة بوعده ، والاطمئنان إلى نصره . . الإيمان الذي يخالط القلب فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة . لأنها ملء يديه ، وملء قلبه الذي بين جنبيه ، وليست وعداً للمستقبل في ضمير الغيب ، إنما هي حاضر واقع تتملاه العين والقلب . عزة الإيمان واستعلائه الذي حمل.نبي الله هود عليه السلام وهو الرجل الفرد الذي يتحدَّي قوما غلاظا شدادا{ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }(هود :53-56)
وفي هذه الكلمات القوية الحاسمة ندرك سر ذلك الإستعلاء وسر ذلك التحدي , إنها ترسم صورة الحقيقة التي يجدها نبي الله هود عليه السلام في نفسه من ربه إنه يجد هذه الحقيقة واضحة إن ربه ورب الخلائق قوي قاهر{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا } وهؤلاء الغلاظ الأشداء من قومه إن هم إلا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها ويقهرها بقوته قهراً . فما خوفه من هذه الدواب وما احتفاله بها؛ وهي لا تسلط عليه إن سلطت إلا بإذن ربه؟ وما بقاؤه فيها وقد اختلف طريقها عن طريقه؟
إن هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه ، لا تدع في قلبه مجالاً للشك في عاقبة أمره؛ ولا مجالاً للتردد عن المضي في طريقه .
غياب المعرفة سبب طغيان :
وهؤلاء يستعلون عن جهالة ويتكبَّرون عن حقارة ويزهون عن ضلالة وإذا غابت عن الإنسان قدرة الله تعالي وجد نفسه قويا قادرا مالكا فيظلم الناس ويعتدي عليهم فيقتلهم ويسجنهم ويقصيهم ويغتصب نساءهم وينهب ثرواتهم .
كما قال الله تعالى {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى }(العلق:6-7)  فالإنسان ذو فرح وأشر وبطر وطغيان، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله.
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِىَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِىَ الْجَبَّارَ الأَعْلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِىَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِىَ الْمُبْتَدَا وَالمُنْتَهَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ » رواه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه ورواه البيهقي في الشعب من حديث نعيم بن عمار وضعفه .


إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
[email protected]