حامد شاكر : 

 

 

القاعدة في السياسة، ولا نقول المبدأ، هو أن "الغاية تبرر الوسيلة"؛ وبلا سقف، فلا مجال فيها للحديث عن القيم والمبادئ والأخلاقيات والشرف والضمير وغير ذلك من المفردات الضابطة للمعايير السوية في التعامل بين العِباد في كل البلاد.

 

 

والسياسة أهواء ومغالبات فيها "التحالف مع الشيطان"، وفيها "اللي تغلبُّه العبُّه"؛ وهي فوق ذلك لعبة مجازفات (محسوبة أو غير محسوبة) بالغة الخطورة ومن يلعبها يتحمل عواقبها. ومعنى هذا أن الشق السياسي فيما نحاول فهمه لا يعنينا في شيء فيبقى اهتمامنا منصبَّا على استيضاح الشق الفقهي المصاحب للتحرك السياسي القائم؛ خاصة وأن كثيرا من أهل الفقه والفتوى ناشطون بشكل لافت في إصدار فتاوى تُشيد بأفعال سياسيةٍ تمنحها أنواعا شتى من ألقابِ تعظيم وتقديس إلهية نتمنى فقط أن لو استطعنا أن نستوعبها في إطار ما نتصوره من ثوابت العقيدة التي لا مجال فيها للمناورة والتحجج بالذرائع والاستثناءات.

 

 

ومن ثوابت العقيدة "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا." والعهد عندما يكون مع الله الخالق (شاهدا وضامنا وكفيلا) لا يُسقطه ما بين بشر فعَل وبشر آخر فعَل أو أحْجَم. كما لا تسقطه إرادة عشرات ملايين أو ألوف ملايين البشر.  

 

 

ولقد بارك كثيرون من أهل الفقه والفتوى الاستجابة لإرادة الملايين من أبناء الأمة في الإطاحة بالسلطة القائمة من قبل بالبلاد والتعامل معها وفق ما تراه وتهواه الجهة (أو الجهات) التي وُجِّه لها ذلك التكليف. ولا حرج في هذا بأخلاقيات السياسة. لكن مادام أهل الفقه والفتوى قد التقوا مع أهل السياسة عند هذه الغاية مع تحمُّلهم المسئولية كاملة أمام الله، يصبح من المنطقي القياس على هذا المنهج باعتباره قاعدة شرعية معتمدة لديهم.

 

وبناء على ما تقدم يجوز لمتفكر متدبر أن ينتظر من نفس مصادر الفقه والفتوى الترحيب بإقدام نفس الجهات على توظيف مؤسسات الدولة، بل وتكريسها جميعا، لنشر الفاحشة كمصدر مُرْبح مغر لا يُقاوم في إنعاش الاقتصاد وتحقيق الرخاء السريع الأسهل؛ وكل ذلك أيضا نزولا على إرادة الأمة التي لا تُرد.  ولا تناقض أبدا بين الموقفين، فمن يبيح "الضحك على الله" يبيح ما دون ذلك (بالقياس) أسرع. وشيوع الفاحشة أقل قبْحا وبشاعة بكثير من العبث "المقبول" والمباح والمستحب مع الله؛ واتخاذه سبحانه سُخريا، باتخاذ عهده سُخريا.