داعش مصر هذه المرة فاقت النسخة السورية بمراحل فليس بالضرورة أن يصيح القاضي المصري "الله أكبر" رافعاً سكين ذبحٍ بدلاً من مطرقته بعد إصداره لحكم إعدام 683 من أنصار الشرعية من بينهم المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد بديع لتكون محكمة داعشية


 فقضاء الاستبداد المسلّح لا يَعْنَى كثيراً بالفرق بين ربطة العنق و طول اللحى طالما يحمل غريزة تصفية الآخر بمبرر تجميلي لقباحة الجرم سواء أكان ذلك المبرر قانونياً أو دينياً أو أخلاقياً، ففي النهاية كُتيب إرشاد الاستبداد لن يعجز عن إيجاد علّة القتل ولا ينتظر من الشعوب تقبّلها أو رفضها، هو بروتوكول توارثته أجيال الطغاة بأن تُحجب الحقيقة من خلال زرع ألغام فكريّة طافحة بالافتراءات ويُفرض تصديقها بالقوة لا بالدليل، حتى يصل القاتل المستبدّ إلى درجة التلذّذ بالقتل كما حدثنا المفكّر عبدالرحمن الكواكبي: "فالقاتل..يصل إلى درجة التلذّذ بالقتل كأنّه حق طبيعي له، كما هي حالة الجبّارين وغالب السياسيين، الذين لا ترتجُّ في أفئدتهم عاطفة رحمة عند قتلهم أفراداً أو أمماً لغاياتهم السياسية، إهراقا بالسيف أو إزهاقا بالقلم، ولا فرق بين القتل بقطع الأوداج وبين الإماتة بإيراث الشقاء غير التسريع والإبطاء"

القضاء المصري بإصداره لحزم أحكام الإعدام الأخيرة مارسَ التكفير القانوني وفق فقه الحكم على المعتقد الفكري المضاد للاستبداد بالردّة، وهذا النوع من التكفير يرتبط بأحد أسوأ أنواع الإرهاب وهو إرهاب السلطة عندما لا يعود القضاء هيئة مستقلّة بل ينطوي تحت أحذية العسكر، القضاة الذين تحزموا بالأحكام الناسفة لم يقصدوا الإخوان وحدهم بل كانت نقطة تفجيرهم لهيكلية العدل الرسميّة في عمومها، وفي ظنّهم هذا كفيل بإيصال رسالة التعصب والغلو الكافية لتمهيد تقبّل المجتمع لهدر دماء الأبرياء، فمجزرتا رابعة والنهضة لم تسعفا الانقلاب العسكريّ في تأدية الوظيفة المرادة من ارتكابهما وجاءت العواقب بعكس الأماني، المفروض في عقلية الطاغية أنّ الإفراط في إراقة الدم يردع، وأنّ هناك علاقة طردية بين كمية لترات الدم المسفوك وبين استقرار الانقلاب، فالخوف ليس من نسل الإخوان الفكريّ إنّما الخوف الذي يقطع قلب الاستبداد أن يفرّق الشعب بين العدالة والإعدام وبين الإرهاب والإخوان مما سيؤدي حتماً إلى التفريق بين الثورة والانقلاب
 
وفي إطار متابعة ردود الفعل على مجزرة القضاء، تستوقفك حماسة مُقدمة في إحدى القنوات المصرية التي تؤكد بأنّه لو فُتح باب التبرعات لشراء بدلة الإعدام الحمراء للدكتور محمد بديع فستكون فرحة شعبية يشارك بها جميع المصريين لرغبتهم في مشاهدة المرشد - في هذا المشهد البديع وهو مشهد الإعدام -  كما عبّرت المقدمة حرفياً ، تلك جملة مهما أتعبت نفسك بالبحث لن تجدها قيلت في حقّ المخلوع حسني مبارك! لكنّها في سجّل الفجور الإعلامي المصريّ تُغنّى في حقّ رجل أعلنها:"سلميتنا أقوى من الرصاص". أداة القمع الإعلامية المساندة للانقلاب لا تكلُّ عن تسميم التركيبة الاجتماعية بجرعات الكراهية الفتّاكة، ولا يُظَنُّ بأنّ تلك الجمل والعبارات المفخخة بالبغضاء والمعاداة هي عشوائية أو صادرة عن انفعالات غير منضبطة إنّما هي استراتيجية لإحلال ثقافة جديدة لها تعبيراتها اللفظية والحركية في التعامل مع كل مَنْ و ما هو إخواني، إلى حدٍّ لم يتورع فيه بعض الإعلاميين عن تسمية المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بالكائنات الإخوانية، استراتيجية تهدف إلى ترسيخ الفئوية عبر صبغ محاربة الإخوان المسلمين بألوان ومفاهيم الدفاع عن الوطن، ومع مرور الوقت يصبح من الطبيعي عُرفاً أن يكون هناك نوعين من المواطنة في مصر فيما يتعلق بالانتماء إلى الوطن برتبتين متابينتين فئة المصري وفئة المصري من أصول إخوانية، وحينها يكفي أن تكون من الفئة الثانية لتصبح مواطن عديم الدرجة في عين الدولة وبعض الفئات المجتمعية.
إنّ التسارع الشديد الذي يمضي به الانقلاب في تصفية خصومه مؤشر خطير، فعملية اغتيال الشرعيّة وخيار الشعب بالصناديق وانتزاع الحكم بالأكفان ونصب المشانق لن تقف عند الإخوان المسلمين كما لم يقف الاحتلال الأمريكي عند اغتيال من زعم أنّهم رؤوس الإرهاب، يسعى الاستبداد دوماً إلى استحداث مقصلة خاصّة بأصحاب أيديولوجيا الحرية يعطيها اسماً يظهر للعيان بأنّها لا تمسّ سوى ذلك البعض في حين أنّها في الحقيقة شُيّدت للجميع لتُطارد الحرية بغض النظر عمّن يرتديها، و مذبحة القضاء المصري اليوم ليست شأناً مصرياً فكل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة تراقب تجربة النظام الاستبدادي المصري عن قرب وبعمق وتتبصّر طُرق الاضطهاد لتتشرب المنهجية الحديثة في قمع الحريات، وعلى شعوب تلك الأنظمة أن تكون يقظة إذا أرادت أن تجاري صحوة عهد الاستبداد المعاصر لتسبقه بخطوة هي الفاصلة بين الاسترقاق والتحرّر.