إسماعيل حامد
أكاد أجزم من خلال دراستي الشرعية أن فتوى البرهامي المتعلقة بترك الزوج لزوجته تغتصب أمامه حفاظاً على حياته لا علاقة لها بالدين، وأنها تدليس على العوام باستدلالات خاطئة، وأكاد أجزم أنها فتوى سياسية أمنية، لا تصدر إلا من أجهزة أمنية تسعى لفرض أمر واقع لا علاقة له بالدين وأحكامه ونصوصه ولا مقاصد الشريعة، وكما هي فتوى لا علاقة لها أيضا بالعرف، وهي فتوى تلحق بأختها فتوى الحاكم المتغلب، نحن إذاً أمام ظاهرة جديدة من فتاوى الانبطاح التي تهدم كل شئ من مقومات الدين وقيم المجتمع الشرقي وأعراف الناس، وإذا أضفنا أنها فتوى تصدر عن غير متخصص في الفقه الإسلامي ومقاصد الشرعية، وأنها صدرت ممن يدور في فلك السلطان المتغلب وممن لا يملك القدرة على الصدع بالحق في وجه سلطان ظالم، فهي لا تقبل من صاحبها ولا تعتبر وترد عليه
ونستطيع أن نجمل بعض دلالات الشرع وفقه الواقع مع تلك الفتوى في النقاط التالية :
· فتوى لا أساس شرعي لها ولا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد، بل تخالف نصوصاً شرعية ثابتة صحيحة تدعو المسلم لأن يدافع عن عرضه ولو قتل في سبيل ذلك، وهي نصوص تجعل ذلك واجباً شرعياً، حيث يقول الحبيب " من مات دون عرضه فهو شهيد" وقد جعل الإمام الشاطبي من الواجب على الإنسان أن يجاهد من أجل العرض، حيث جعله من المقاصد الخمسة للشريعة.
· فتوى خاطئة و تستند على قياس خاطئ حينما يستدل قائلها بقصة إبراهيم عليه السلام وزوجه مع الجبار، ضارباً عرض الحائط بنصوص شرعية ثابتة أقوى في الدلالة، وحينما يستدل بكلام الإمام العز بن عبد السلام في موضعه، فهو إدعاء على الإمام العز بكلام لم يقله ولم يلمح إليه ولم يقل بوجوبه، بل كان يتحدث من باب الفاضل على المفضول وليس الواجب على المندوب
· فتوى تتعارض مع كل ثوابت أقوال العلماء، فلم يقل بها أحد من علماء الأمة عبر تاريخنا الإسلامي ولم تذكر في تراثنا الفقهي الممتد عبر 14 قرنا من الزمان، فأقوال العلماء تؤكد أنهم جميعًا متفقون على ضرورة دفع الصائل عن العرض ولو أدى ذلك إلى قتل الصائل أو قتل المدافع، قال شـيخ الإسلام رحمه الله "فإن دفع الصائل على الحرمة واجب بلا نزاع"، وقال أيضاً " وأما إذا كان مطلوبه – الصائل - الحرمة مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان، أو يطلب من المرأة أو الصبي المملوك أو غيره الفجور به؛ فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال ، ولا يجوز التمكين منه بحال ؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز وبذل الفجور بالنفس ، أو بالحرمة غير جائز"، بل إن الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن اعتبر جريمة العرض والاغتصاب أشد من جرائم الحرابة التي وضع لها المشرع في الإسلام أقصى العقوبات لمن أقدم على تلك الجريمة، وبالتالي فلا يحق للرجل أن يتخلف في الدفاع عن واجبه في حماية زوجته
· فتوى تتعارض مع ما قاله العلماء بضرورة مراعاة فقه الواقع والسياق الذي تقال فيه الفتوى، والذي قد يتغير " زماناً ومكاناً وأحوالاً وعوائد وأشخاصاً" والواقع المصري اليوم في ظل الانقلاب وتسلط المجرمين وتكبرهم وطغيانهم يستدعي أن تكون الفتوى مراعية ذلك الواقع بكل تداعياته، مع ضرورة الإنكار على الظالم المعتدي وليس الضغط على المظلوم المعتدى عليه
· فتوى فاسدة تستند على الأخذ بالرخص الشرعية كالكفر بالإكراه والسرقة بالإكراه وغيرها من الأمور التي لو ترخص المسلم فيها لا حرج عليه، ولكنها تغفل الجانب الأوجب والأقوى والأصوب من الأخذ بالعزيمة فيما يتعلق بالعرض والشرف، وهذا ما قال به شيخ الإسلام ابن تيميه فيما سبق
· فتوى سياسية أمنية مقصودة لحاجة غير الشرع، وأنها تمثل الظهير الديني للحاكم الظالم، وهذه هي الفتاوى و الخطاب الديني الذي تريده سلطة الانقلاب الغاشم، وهي فتاوى تمثل الخطاب الديني لحزب النور وموقفه من قضايا الأمة واستعداده للاستسلام والتنازل دون مقاومة لحكم العسكر والحاكم المتغلب، فقد أفتى بعدم جواز الخروج على القاتل السيسى قائد الانقلاب، بزعم أنه "حاكم متغلب بالشوكة"، كما أفتى بتحريم المظاهرات ولم يرها نوعاً من أنواع الجهاد "كلمة حق عند سلطان جائر" .. كما علل خيانته للرئيس وللشرعية بأنه كان أمام أحد خيارين : إما أن يكون خائنا أو أن "يلبس في الحيط" على حد تعبيره.
· فتوى تعد من المخدرات للعقل المصري من أجل أن يعتاد على الانبطاح والرضا بالأمر الواقع والسكون والاستسلام للمعتدي المتغلب، وأن الهدف الأساسي منها هو كسر النفسية التي يعيشها الثوار الذين يصدعون بالحق في وجه الظالم، من أجل الخضوع والاستسلام للانقلاب وحكم العسكر المتغلب
· أنها فتوى تؤصل للإجرام وتقول للمجرم لماذا تتحرش إذا كان الاغتصاب ممكناً، وتقول للمجرم المعتدي افعل ولن تجد مقاومة، فهي تقول للمغتصبين : "هددوه بالقتل وسوف يستسلم" وبذلك يفرون بفعلتهم، إنها دعوة لضعاف النفوس وذئاب المجتمع لاستباحة الأعراض والإفساد في الأرض .
· فتوى تعني خذلان الزوج لزوجته في موقف اغتصاب، بما يعني فقدانه القدرة على حماية بيته وعرضه وأهله، وبالتالي لا يقدر على رفع رأسه وعينه أمامهم، مما يعني انهيار البيوت والأسر، وأن نكبر أربع تكبيرات على العفاف والمروءة والشهامة والرجولة، ففي ذلك مذلة ومهانة وسلوك مشين لايقبله الإسلام، وليس من صفات المسلم الدناءة أوالخسة في دينه حتى ينجو بنفسه، والوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى أن نعود من جديد للتشدد في حفظ الأعراض، وهنا يحضرني سؤال هام : متى يدافع الرجل عن أهله إن لم يدافع عنهم في هذه اللحظة ؟
· فتوى مخالفة لفقه الواقع الذي يتطلب منا أن نعود من جديد للتشدد في حفظ الأعراض، بعد أن انتهكت الحرمات واستبيحت الأعراض من قبل الانقلاب الظالم، داخل السجون والمعتقلات، وكذلك جرائم انتهاك الأعراض من قبل البلطجية والمفسدين في الأرض، ولا يجوز إشاعة مثل هذا الكلام الذي قد يفتح الباب لترك المال لمن يغتصب مالي وترك البلاد لمن يغتصب وطني.
لقد ابتليت مصر بأمثال هؤلاء الذين صُنعوا في مجتمعاتنا من قبل أجهزة سيادية كي يفسدوا علينا الدين والسياسة معاً، ومن الغريب أنهم لم يتعرضوا لما تمارسه الأجهزة الأمنية من انتهاكات واغتصابات وقتل بالجملة، فهم لا يجرؤون على أن يقولوا للشرطة والأجهزة الأمنية والعسكر "لا" ولو بالهمس، وأين فتاواهم أثناء المجازر التي ارتكبت والدماء التي سالت والأعراض التي انتهكت والمساجد التي دنست؟ ولماذا تم إلجامهم وتكميم افواههم أمام تلك الجرائم التي وقعت؟ ونحن نتساءل : هل هذه هي هوية مصر الإسلامية التي يسعى هذا الحزب وقيادته للحفاظ عليها؟ هل هذه هي القيم التي يريدون أن تسود المجتمع المصري ؟
ختاماً أقولها بكل قوة : يارب نبرأ إليك من هؤلاء وأفعالهم وأقوالهم وفتاواهم، و نبرأ إليك من تخاذلهم وانبطاحهم واستسلامهم للحاكم الظالم المتغلب، نبرأ إليك من علم تلقيني لا ينفع يركع لضغط الواقع وتوجهات السلطة وتهديدات الأمن، يارب نسألك فرجاً قريباً وفتحاً مبيناً ونصراً قريباً تشف به صدورنا وتذهب غيظ قلوبنا
------------
كاتب وباحث إسلامي