عبدالعزيز مجاور

بعد سبع سنوات من الخلاف بين فتح وحماس وفي ساعات قليلة حدث الاتفاق على البدء في تنفيذ المصالحة وتشكيل حكومة بالتوافق وتحديد مواعيد للانتخابات التشريعية والرئاسية، وأياً كان مدى صمود أو انهيار تلك المصالحة مستقبلاً، وبغض النظر عن احتمال كونها ورقة ضغط لعباس في مفاوضاته المتعثرة، فهناك حقائق  تم الكشف عنها من خلال هذا الاتفاق والذي تم في غزة وما تلاه من تصريحات مختلفة من أهمها:

غياب دور مصر بعد قيام الانقلابيين بالكشف عن الوجه الصهيوأمريكي باعتبارهم خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة نوع من الإرهاب، وبعد فقدهم دور الوسيط النزيهة نظرياً على الأقل، وخسارة العدو الصهيوني لممثله الرئيسي في كل الاتفاقات السابقة، وهو من كان يمثل وجهة النظر الإسرائيلية في المباحثات، وكان لغياب هذا الممثل  دوراً رئيسياً في سرعة إنجاز الاتفاق.

توجس أمريكا من خروج أوراق اللعبة من أيديها لذا كانت التصريحات السريعة للمتحدثة باسم خارجيتها والتي قالت فيها أنها تشعر بخيبة أمل إزاء الاعلان عن المصالحة، وقيام العدو الصهيوني بإلغاء جلسة كانت مقررة في القدس ضمن المحادثات مع الفلسطينيين.

التصريحات العلنية السابقة يمكن أن تكشف عن حجم الاملاءات السرية التي حدثت مع عسكر مصر في الخفاء للقيام بالانقلاب على خيارات الشعب سواء بالترغيب في استمرار تدفق الدولارات التي لا يراقب عليها أحد أم بالترهيب من فتح ملفات الفساد والخيانة، فعدو أمريكا المشترك في الحالتين واحد  وهو اختيار الشعب الذي يتعارض مع اختيار البيت الأبيض وإن كان العملاء مختلفون.

إن تلك المصالحة سوف تدفع أمريكا للضغط على الانقلابين في مصر لتغيير سياسة الغباء السياسي في تعاملها مع حماس، ومن المتوقع في الأيام القليلة القادمة أن نرى تصريحات تصالحية مع حماس حتى يعود الانقلابيونبتمثيل دور الوسيط وكممثلين للعدو الصهيوني في أي مباحثات، وهذا ما كان يفعله مبارك بنجاح.

إن الغرب لن يرضى بأي ديمقراطية تأتي بنتائج غير مرسومة ومحددة مسبقاً، ولا يرى شعوباً تستحق العيش حتى يكون لها قرار ويكفي أن تعرف نتائج كل الانتخابات في النظم العربية قبل فتح باب الترشيح، ولن يوافق الغرب على أي اتفاقيات لا تحقق مصالحه فقط، فهو يتعامل بمنهجية القطب الأوحد الذي يملك كل قواعد اللعبة، ويغير فقط من أدواته وعملائه كلما دعت الحاجة، وعلى الشعوب العربية أن تعي ذلك قبل فوات الأوان.

ومن خلال معرفة هذه الحقائق فلا نتوقع تخلي أمريكا والغرب عن انقلابيين مصر إلا إذا تهددت مصالحهم، ولن يروا انتهاكات حقوق الإنسان إلا عندما تنتهك حقوقهم، فالثورة في مصر الأن هي صراع حقيقي بين إرادة شعب يريد أن يتحرر وبين احتلال جاسم على الصدور منذ عقود وبنجاح الثورة المتوقع فلن تتحرر مصر فقط بل سترسم خريطة جديدة للعالم المتحرر والتي بدأت ملامحها في الظهور.