أحمد الحارون
اعلم أن أحد أهل العلم قال:لو كان هناك شخصان يشربان الخمر لوجب على كل واحد منهما أن ينكر على الآخر، لأنه إن لم ينكر اجتمعت عليه مصيبتان، مصيبة الوقوع في المنكر ومصيبة عدم إنكاره. وأراك لم تنكر على سابقيك أحكامهم، بل جئت بأفظع وأشنع منها، فحظيت من المصائب بمصيبتين. وأعلم أن المعاصى سمٌّ، وقليله يقتل، فما بالك بالظلم، ويُبتغى منك العدل!! ولا أحد فوق حدود الله، والكل في كِفتي ميزان العدل سواء، فالعدل في الإسلام لا يتأثَّر بحُبٍّ أو بُغْضٍ، ولا يُفَرِّقُ بين حَسَب ونَسَب، ولا بين جاهٍ ومالٍ، كما لا يُفَرِّقُ بين مسلم وغير مسلم، بل يتمتَّعُ به جميعُ المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين، واختلال العدالة في المجتمع يؤدى إلى شيوع العنف والتطرف والفساد، ومن ثم قلة الانتماء للوطن وحُبِّه.
إن كنت تريد الشهرة فأنت اليوم على كل لسان، وإن كنت تريد إرضاء سلطة فماذا ستقول للديان؟ وإن كنت ابتغيت العدل والإنصاف فأراك خارق للعادات وجئت من سبأ بقضاء غير مبين...فكيف في ساعات معدودة تلم بقضية يعجز أولي العصبة من قضاتك الإلمام بشخوصها ناهيك عن تفاصيلها؟ استغرقت عامين لتبرأ عشرة أو يزيد قليلا من قاتلي المتظاهرين أبان ثورة يناير، واستغرقت يومين لتعدم فوق خمسمائة نفس، أي جور هذا وأي عدل أعرج ابتغيت؟ يا هذا ولا تستحق اسمع مني وأظنك لن ولم تسمع:
تفكر في الحشر والمعاد، وتذكر حين تقوم الأشهاد إن في القيامة لحسرات، وإن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات، وإن عند الميزان لعبرات، وإن الظلم يومئذ ظلمات، والكتب تحوى حتى النظرات، وإن الحسرة العظمى عند السيئات، فريق في الجنة يرتقون في الدرجات، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلاَّ أن يقال: فلان مات، وتقول: رَبِّ ارجعوني، فيقال: فات. قالت أُم الربيع أُم خيثم لولدها: يا بني أَلا تنام قال: يا أُماه من جَنَّ عليه الليل وهو يخاف الثبات حق له أن لا ينام، فكيف بالله آمنت الثبات في حكمك وتغمض لك جفن بعد هذا؟ هل تنام الآن قرير العين؟ وقيل لزيد بن مزيد: ما لنا لم نزل نراك باكياً وجلاً خائفاً فقال:إن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لبكيت حتى لا تجف لي عبرة، هذا عن ظلم الذات بالعصيان يخشى المرء حتى السجن بالحمام، فما بالك بظلم مئات الذوات ودموع ذويهم ودعواتهم عليك في جوف الليل؟ ألا ترعوي؟ وقيل لبعضهم: ارفق بنفسك فقال: الرفق أطلب، وما أراك إلا أردت غير الرفق لنفسك ولمن زين لك مثل هذا الحكم، وقال أسلم بن عبد الملك: صحبت رجلاً شهرين وما رأيته نائماً بليل ولا نهار فقلت: ما لك لا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أُعجوبة إلا وقعت في أخرى، يا هذا ولا تستحق ألم تجد في القرآن ولو أعجوبة واحدة تجعلك تنشد العدل وتتمنى ثوابه؟ ألم تعلم أن العدل من أسماء ربك؟ فبالله عليك كيف ستجيبه حين يسألك كيف حكمت على أموات بالإعدام أو من هو بداخل السجن ولم يشهد الواقعة؟ هل أوحي إليك أم قادر أنت على أن تحيي الموتى؟ وأرى بسوء فعلتك أنه لابد من أن يُسبغَ على قضائنا ماءً طهوراً سبع مرات، ولابأس أن نزيد الثامنة بالتراب، وتبّاً للانقلاب.