صادق أمين
إن المرحلة التي يمر بها الوطن حرجة ودقيقة؛ تحتاج إلى استنهاض الهمم والجهود، وأن يكون العطاء بلا حدود، مما يجعل العبء ضخمًا وثقيلاً؛ يتطلب كل معاني الإيجابية والذاتية والجدية وقهر الأعذار ومضاعفة النشاط؛ إذ ما نحمله من حق يبرأ من كل حر لا يعمل إلا بتكليف.
وهذا ما نبَّه إليه الشيخ أحمد ياسين رحمه الله: "لا تلعنوا الظلام؛ ولكن ليضئ كل منكم شمعة في نفسه وبيته، ولا تلعنوا الواقع؛ ولكن سارعوا لتغييره، ولا تتذرعوا بالمرحلة؛ فرب المرحلة أعلم بطبيعتها منكم".
وآية ذلك في غزوة أُحد، فقد انفصل ابن سلول بالمنافقين، ما يقدر بثلث الجيش، وهو عدد ضخم إذا ما قارنته بعدد الجيش، ورغم ذلك لم يُحْرَمْ المسلمون النصر (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه)، وإنما العقوبة من أجل هذا العُشْر الذي عصى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، إذ نُؤْتي من قِبَل ضعف التربية، فيكون الجندي أدني من المستوى المطلوب ولو كانوا قلة.
وهو ذات المعني الذي جعل الكهل الذي التحق بكتائب الجهاد، وقد تدلى حاجباه وانحني صلبه، أن يجيب شابًا قال له: يا عماه، قد وضع الله عنك وعن أضرابك الجهاد!
فرد الرجل باكيًا: يا بني لم أجد الله أعفى أحدًا حين قال: (انفروا خفافًا وثقالاً).
لذا لا غرابةَ أن تجد الصحابة في حمراء الأسد، وقد أثخنتهم الجراحُ، وفقدوا الظَّهر في أُحد منذ سويعات، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، حتى كان الأخف جرحًا يحمل أخاه الأثقل إصابةً.
وهذا سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- يتصدى بمفرده للقوم في غزوة ذي قرد، حتى اضطرهم إلى الفرار تاركين ما استلبوا من عير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.. وظل يناوشهم وقد نزلوا على ماء، ليطفئوا ظمأ حلوقهم، فما استطاعوا أن يهنئوا بقطرة منه.
وبمثل هؤلاء يُصنع مناخ الحسم، وهو ما نحتاجه في أيامنا هذه، لذا يجب أن نرتقي بأنفسنا نحن ومَنْ معنا ومَنْ ندعوهم من أحرار الوطن، لنكسب زخمًا وأرضية وأنصارًا جددًا كل يوم على هذا الطراز، حتى لا يكون حراكنا نفخًا في رماد أو صيحة في واد.
وإن الذي يعزم على الكفاح سيجد أمامه عشرات الأبواب المفتوحة، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه غير مطلوب منه أن يكون مقدامًا لم يسبق له مثيل، ولكن عليه أن يتصرف وفق الواجب وقدراته الخاصة، إذ من السهل في حراكنا الثوري وجود أعمال، وهي لا تحصى تناسب قدراتنا واستعداداتنا، ولكن يبقى السؤال: متى؟
ولذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- أشد حرصًّا على أن يكون لكل مسلم عطاء في سبيل الله، فإذا عاد مريضًا دعا له: (اللهم اشفِ عبدك؛ يشهد لك صلاةً، وينكأ لك عدوًا).
و بناء عليه إذا ما جاءتك فرصة فلا تتخلف، و لا تستمع لوساوس الشيطان، وردد في نفسك ـ أبدًاـ قول الصديق رضي الله عنه: (أيسقط الدين وأنا حي؟)، وقل: أتسقط الثورة وأنا حي؟).
واحذر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الرجل يتأخر حتى يُؤخره الله"، واطمح لوعده: "إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيرًا عسَّله، قيل: وما عسَّله؟، قال: يفتح الله عز وجل له عملاً صالحًا قبل موته، ثم يقبضه عليه) (رواه الإمام أحمد والترمذي).
وما تأخر من بدأ.