محمد منصور


يوم الخندق كان الصحابة جوعى؛ يربط كل منهم حجرا على بطنه، و يقول للنبي صلى الله عليه و سلم: يا رسول الله، أهلكنا الجوع؛ انظر يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ربط على بطنه حجرا.

 فقال النبي صلى الله عليه و سلم: أما أنا فانظروا، و رفع النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ رداءه؛ فإذا حجرين على بطنه من شدة الجوع.

يقول جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ: فأتعبني ذلك؛ فأسرعت إلى امرأتي، و قلت لها: أعندكِ طعام؟ ، فقالت: نعم .. فقلت: ماذا عندكِ؟

قالت: عندي عِنَاق ـ الأنثى من أولاد الماعز ـ و حفنة شعير.

 قال: كم تكفي؟ .. قالت: رجلا واحدا .. قال: و الله لا آكل حتى يأكل رسول الله.

و يهرول إلى رسول الله؛ فيقول له: يا رسول الله، عندنا في البيت حفنة شعير و عناق؛ تعال؛ كُلْ معي يا رسول الله.

 فنظر إليه النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و قال: يا جابر، تريد أن آتي وحدي!!

 فقلت: نعم يا رسول الله .. فقال: وحدي يا جابر!!

فقلت: يا رسول الله و معك رجل أو رجلان .. فنظر إليَّ النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و قال: يا جابر، ما كان لي أن آكل وحدي.

ثم نادي في الجيش: طعامنا اليوم عند جابر بن عبد الله.

و إلى هذا الحد أكتفي من رواية القصة؛ لأن ما أريد تسليط الضوء عليه هو قوله صلى الله عليه و سلم: وحدي يا جابر!!!

فالعبارة فيها لمحة الوفاء التي يعز على صاحبها أن يؤثر نفسه بشيء دون إخوانه؛ رفقاء الكفاح؛ الذين يقاسون في سبيل الحق محنا مروعة.

و ما أروعها من مشاعر؛ تتطلبها المرحلة التي تمر بها الآن دعوتنا و رجالاتها؛ بعدما تكاثرت الآلام و الجراح و الاعتقال و المطاردة و القتل، و كأنها سهام تضرب أكبادنا و قلوبنا؛ حتى تكسرت النصال على النصال.

فما أفدح أن نحمل مَنْ جمعنا بهم طريق النضال و الكفاح، تحت لواء الدعوة، وكلٌ منهم هو أخي و رفيق دربي و مقتسم همي، وهو من أذكره عند كل غروب؛ داعيا الله: ( اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، و التقت على دعوتك، و تعاهدت على نصرة شريعتك؛ فوثق اللهم رابطتها، و أدم ودها، و اهدها سبلها، و اشرح صدورها بفيض الايمان بك، و جميل التوكل عليك، و أحيها بمعرفتك، و أمتها على الشهادة في سبيك؛ إنك نعم المولي و نعم النصير).

و هم ـ الآن ـ ما بين شهيد و جريح و معتقل و مطارد؛ مما سلبنا هناءة العيش، و يفرض علينا ـ فـي ذات الوقت ـ أن نقوم لهم بحق الأخوة كاملا.

 و كيف لا؟؟؟ و قد أبوا إلا أن ينضموا إلى كتيبة المناضلين، و تنازلوا طوعا عن آمالهم و طموحاتهم و رغباتهم و هناءة ذويهم بهم؛ رغبة في نصرة الحق، و ثقة في وعد الله بالنصر.

حتى أنسانا صمودهم و تضحياتهم كل تردد، و لا نذكر سوى أننا بين رجال كبار النفوس؛ يسعد الإنسان بالنضال معهم و أن يلتقي بأي مصير مهما كان رهيبا.

وهذا العزم لا يقبل منا أقل من أن نقهر الأعذار؛ كيلا ندعهم وحدهم في مواجهة الباطل و أن نشاركهم آلامهم و نكمل مسيرتنا معا.

 و من المشاركة أن نخلفهم في أهليهم بالرعاية و المتابعة و نكفل زوجاتهم و أولادهم كفالة معنوية و مادية ؛ فالتكافل ـ كما علمنا الامام البناـ هو الركن الثالث من أركان الأسرة: ( فتكافلوا , وليحمل بعضكم عبء بعض ، وذلك صريح الإيمان ولب الأخوة , و ليتعهد بعضكم بعضاً بالسؤال والبر ، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً , وتصوروا قول رسول الله : ( لأن يمشي أحدكم في  حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرا ) , و( من أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير الله له جزاء دون الجنة ) , والله يؤلف بين قلوبكم بروحه إنه نعم المولى ونعم النصير).

و من المشاركة أن يلهج كلٌ منا بالدعاء و التضرع إلى الله؛ فرب دعوة من قلبك و زفرة من صدرك و دمعة من عينك ـ أخي ـ يغير الله بها من حال إلى حال، و إن لم يكن؛ فحسبنا أن الله يرانا و يرى دمعنا و حزننا من أجل إخواننا.

وخلاصة القول كما قال الأستاذ البنا: ( مَنْ رافقنا في الطريق فله حق علينا )؛ ( فإذا أديتم هذه الواجبات الفردية و الاجتماعية و المالية , فإن هذا النظام سيتحقق ولا شك , وإذا قصرتم فيها فسيتضاءل حتى يموت , وفي موته أكبر خسارة لهذه الدعوة , وهي اليوم أمل الإسلام والمسلمين ).

 و ليس من الجهد ما يُهدر و لكن النجاح قد يتأخر، و يقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.