مهندس/ محمود إبراهيم صديق
لم يكن وصول الرئيس محمد مرسي و جماعه الاخوان المسلمون الي الحكم في مصر حدثا اعتياديا اذا كان الفارق الزمني بين اتخاذ الجماعه لقرار الترشح وموعد الانتخابات شهرا من الزمن . مصر بثقلها الكبير و عمق حضارتها و طاقاتها البشريه و دورها الرائد في نظر الغرب ليس لها ان تنتقل الي المسار الديمقراطي او تحتفظ بمكانه لائقه بين دول العالم في توقيت بالغ الدقه تعيش فيه المنطقه اجواء بالغه الصعوبه فرياح التغيير سوف تستمر اذا نجحت التجربه الديمقراطيه في مصر .من هذا المنطلق كانت حتميته اسقاط التجربه وهنا علينا ان نتوقف . بقدر المهمه يكون التخطيط والتدبير والعمل المحكم فليس لك ان تفترض ضعف التخطيط والقدره او ان شئت قلت الغباء عند الطرف الاخر ان كان يخطط لمهمه يراها مفصليه في التاريخ الحديث . والمهمه بالطبع اكبر من امكانات الداخل فالانظمه والحكومات في عدائها للدعوه لا تتحرك من دوافع ذاتيه وانما تخضع للتأثير والتوجيه الاجنبي الذي يستهدف السيطره علي مراكز اتخاذ القرارهذا في المقام الاول كان مستحيلا في اثناء تواجد الرئيس مرسي علي رأس الحكم .
في ظل مرحل انتقاليه بالغه الدقه ومن يقرا في تاريخ الثورات و مراحل انتقال الشعوب يفهم جليا ان المراحل الانتقاليه هي اصعب ما يواجه اي نظام سياسي في سده الحكم لان المرحله تتطلب وعيا وادراكا من الجماهير والراي العام باولويات المرحله ومتطلباتها . امام صعوبات كبيره ونتاج عهد فاسد قضي علي الحريات و البنيه الاقتصاديه و المجتمعيه طوال اكثر من ثلاينين عاما كانت مصر مثل محميه طبيعيه لا يعرف اسرارها الا من في السلطه فلا أحد تصور هذا الفساد والافساد الذي استشري في المجتمع ومؤسساته وفي كل اوصاله
صاحب القرار السياسي لم يكن يجد امامه الا مسارين لاداره الصراعات الخارجيه و القوي التي تخطط لاسقاط التجربه ومتطلبات الداخل . المسار الثوري او المنحي المتدرج للتغييروالاصلاح اذا اردت ان تحافظ علي قوام الدوله وترسخ لدوله متقدمه يحكمها القانون خاصه ان ثوره يناير لم تخلف وراءها اوادا للمشانق لكل ما افسد وكانت بمثابه نصف ثورهوعليك ان تفهم من يقوم بنصف ثوره هو الذي يقدم نفسه للمحاكمه حال عدم اتمام ثورته وهو ما تحملته جماعه الاخوان المسلمون عن الجميع .
لا يخفي علينا ان ما نواجهه الان يعد في تاريخ الحركه الاسلاميه وفي القلب منها جماعه الاخوان المسلمون هي المواجهه المباشره الاولي في صراع الحق والباطل في تاريخ الدعوه حديثا وهي بحق المعركه الاولي بين قوي الحق والباطل ومنها نسلتهم النصر من الله تعالي فالمعارك الاولي في صراعات الحق والباطل تكون غلبتها لاهل الحق وان قل عددهم ..هذا حتي لا نبتعد بمفاهيم الازمه عن البعد العقائدي والبعد الدعوي ف كل مراحل الصراع ولا نحيد عن الطريق بغيه ان نكتسب ارض جديده او حتي في سبيل الاصطفاف وان كان ضروره ملحه فيما لا يخالف الثوابت التي يتفق عليها اركان وقوي الحق
( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين )
في ضوء المعطيات و الحلول ودراسه ابعاد القوي ومدي تاثيرها طبقا لمعدلات الزمن وما تمتلك من ادوات يكون القرار . فمتى يكون القرار صلبًا حاسمًا ومتى يكون مرنًا لينًاً، وكيف تُدار الأزمة للخروج بأقل الخسائر ودون تأثير جوهري على العمل الدعوي وأركانه وأساسياته، بل كيف تُدار الأزمة للاستفادة منها واستثمارها وتحويلها من نقمة إلى نعمة، فالعمل الدعوي اصبح لا ينفصل ابدا عن مفاهيم الاداره الحديثه فيما يخصه من دراسات وبيانات واستراتيجيات واهداف ..كيف يُحافظ من يُدير الأزمة على وحدة الصف الوطني في ظل ظروف الأزمة،. فما ذالت الدوله لم تستقر بعد ومازالت في الطور العائم لم ترسي قوائمها
....مع سمو الهدف و ضعف البدائل و صعوبه المرحله كانت حتميه المواجهه والصراع بين قوي الحق والباطل فنحن لا نستطيع ان نفرغ الصراع من محتوه ليكون متجردا بطرفه السياسي فقط لان مهمه تخليص مصر و بناء مؤسساتها علي الطهاره لن تنتهي حتي عند عوده الشرعيه وادراك ان غرفه العمليات المركزيه لاداره الانقلاب خارج مصر في واشنطن واسرائيل امرا لا نستطيع اجتزائه من مكونات الصراع .ان أهم وأخطر فإن العمل الإسلامي شأنه شأن أي عمل يواجه أزمات أو يصطدم بعقبات إدارية أو أمنية أو سياسية حتى ولو حاول أن يعمل في ظل الأُطر القانونية القائمة وتلك الإشكاليه التي تواجه الحركة الإسلامية سواء كان العمل دعويًّا أو حركيًّا في ظل غياب الأُطر المؤسسية القانونية لدول العالم الثالث ، ان امتلاكنا لفهم عوده الشرعيه لا يعني عوده ادواتها والياتها انما هي مرحله علي طريق الاصلاح حتي نرسخ ثوابت اداره الازمه.
قبل ان تشعر بالملل في حديثي فقد يكون راسخا في قناعاتك وافكارك وقبل ان تتعجل في ان تسالني عن جديدا في حديثي او تطالبني لاقترب منك اكثر لاتحدث علي الارض كنت اود ان اصل الي النقطه التي نشعر فيها ان المواجهه كانت حتميه وان الصراع فرض علينا وان ما تم بذله من اجتهاد وقرارت وصبر من قادتنا فاق ما يتحمله البشر وما تستوعبه العقول في ضوء ما كان يتاح من معلومات وبيانات وتقارير في ظل دوله حبست مؤسساتها عن المجتمع ولم يطلع علي بياناتها الا من يديرها فالشفافيه لم تكن معروفه لدي الشعب و ان اصحاب العقول و الكوادر القياديه كانت مغيبه علي مدي عقود طويله فما اصعب ان يكون صاحب القرار متمثلا في الرئيس مرسي امام اداره المجهول .كان التحدي كبيرا وكان سقف التطلعات غير مقبولا من ابناء الوطن فلم نكن ندير دوله مكتمله المؤسسات والاركان وكان التحدي حتما اكبر من الجماعه علي الارض في وقت كان يعمل فيه ابناء الجماعه جهودا تعادل المئات من الرجال .
في ظل ما يقدم من تضحيات و بذل بالنفس من كل ابناء الجماعه المباركه ومطاردات وملاحقات شديده تفتقد للحد الادني من الجوانب الانسانيه وكانك تعيش في حياه الغاب وليس الحديث بصدد ان نتحدث عن المشهد فقد افردنا فيه مقالات سابقه .انما بصدد ان ندرك جميعا ابعاد اداره الازمه ومتطلبات المرحله و اداره الضغوط التي نواجهها علي الارض . ذكر الدكتور محمد عبدالرحمن في مقاله نموذج لمواجهة الإمام البنا للضغوط والأزمات ان الإخوان مع ذلك لا يهابون المعتقلات والسجون أو يساومون بها على دعوتهم أو يجعلهم ذلك يحجمون ويتأخرون، وإنما ميزان الفصل فى هذا هو متطلبات الخطة ومستهدفاتها، والحرص على مصلحة الدعوة ومراعاة الضوابط الحاكمة فى تلك المرحلة، ويحتملون كل أذى فى سبيل دعوتهم .
وفى مذكرات الدعوة والداعية يذكر الإمام الشهيد أول معركة مواجهة مع الإدارة الأجنبية بشأن المسجد الذى تم إنشاؤه فى شركة الجباسات بالإسماعيلية وانتداب الشيخ محمد فرغلى رحمه الله لإدارة المسجد والتدريس فيه، فقامت تلك الإدارة بمحاولة إقصاء الشيخ فرغلى واستبداله بآخر من عندها حتى لو تطلب الأمر غلق المسجد، وذلك لمواجهة تأثيره الدعوى والإصلاحى على عمال الشركة.. ونرى فى هذه الواقعة كيف أدار الإمام هذه المواجهة ببراعة واقتدار، فقد تمسك الشيخ فرغلى والإخوان معه بمكانه وعمله بالمسجد، وتصاعد الأمر حتى وصل إلى محافظ القنال الأجنبى ومأمور الإسماعيلية، وهددوا باستخدام القوة، فلم يتراجع الشيخ فرغلى وتجمهر عدد كبير من العمال، وأمسك الإمام الشهيد بجميع الخيوط، مع التأكيد على صلابة الموقف فاتصل بالعضو المصرى الوحيد فى مجلس إدارة الشركة حيث سافر له الإمام لمقابلته بالقاهرة وناقشه فى الأمر رغم عدم تجاوبه معه وكذلك قابل مدير الشركة الأجنبى وأوضح له بأسلوب هادئ نواحى خطئه وأن المشكلة ليست فى المسجد وإنما فى أسلوب معاملتهم للعمال. وتعامل كذلك مع المأمور فأوضح له خطورة تصعيد الأمر وأن العواقب قد تسوء إذا حدث رد فعل من العمال الغاضبين، ثم طرح الإمام الشهيد حلاً للأزمة تفاوض معهم عليه، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على أن يبقى الشيخ فرغلى شهرين حيث هو وتقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة وأن تطلب رسمياً من الإخوان أن يحل محله واحد من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه .. الخ .
وبذلك نجح الإمام فى إدارة هذا الصراع وحقق كل أهدافه كاملة، كان هذا مع نموذجا صلبا في اداره الامام البنا لازمه كانت موجوده بينه وبين احدي الجهات الاجنبيه وقتها في مصر . فصلابه الموقف امام الازمه هنا كانت نابعه من توفيق في اداره الحدث و مابين الصلابه والمرونه في اتخاذ القرارات ياتي فقه اداره الازمه واداره الضغوط .
في المقال القادم سوف نتوجه مباشره بالحديث عن واجباتنا واسس العمل التي اتبعها ائمتنا في سلوك اصحاب الدعوات في وقت الازمات و ماينبغي علينا في كيفيه اداره ومواجهه الضغوط .
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾
-----------
كاتب وباحث سياسي
https://www.facebook.com/pages/Mahmoud-Ibrahim-Sadeeq/