إبراهيم لبيب
(1)
{وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}
الحاكم المستبدّ عادة لا يجد أي غضاضة من أن يخصّ بعض رعاياه بالمزايا والعطايا وإباحة المحظور لهم، طالما أنّها تداهنه وتوافقه على غيّه..
وقد قصّ لنا القرآن الكريم قصة فرعون مع السحرة، الذين استعان بهم لترسيخ ألوهيّته المزعومة وتكذيب رسالة نبي الله موسى.. {قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء]
فكان ترغيبه للسحرة إذا انتصروا على موسى عليه السلام، أن يعطيهم أكثر مما يطلبون، لا لأنّهم يحقّون حقاً أو يقيمون عدلاً، بل لأنّهم - فقط - يعينوه على ترسيخ ملكه، وجزاؤهم على ذلك الرضا والقُرب من ملك البلاد الذي بيده حقوق العباد، فكان وعده هذا أعظم الترغيب لهم.
(2)
لعلّه من الواضح الآن لجميع المصريين منذ الانقلاب، أن القاعدة التي يسير عليها قادة الانقلاب هي: "افعل ما فيه تحسين صورتنا، وإنك إذاً لمن المقرّبين".
والدلائل على ذلك أكثر من أن تنحصر، فها هو النظام يكيل بعشرات المكاييل في القضية الواحدة، ففي الوقت الذي يُحاكم فيه الرئيس مرسي ظلماً بتهمة قتل متظاهرين، يُعفَى كافة الضباط من المساءلة على أنهار الدماء التي تفجّرت على أرض مصر، بعد 3 يوليو 2013 وحتى الآن، لأن بطشهم هذا هو السبيل الأول لتمكين انقلابهم.
وفي الوقت الذي يحاكم فيه آلاف الإخوان بتهمة التحريض على القتل (مع أنّ مرشدهم قال بوضوح للمعتصمين: سلميتنا أقوى من الرصاص)، يُترك آلاف المحرّضين على قتل الأخوان وجميع من يناصرونهم على شاشات التلفاز، وصلت ببعضهم أن يقول باللفظ: أبيدوا المعتصمين جميعاً بالطائرات.. خلّونا نخلص منهم.
(3)
والسؤال الآن: من هم المقرّبون من قادة الانقلاب؟
الجواب:
1- الإعلاميون المطبَّلون: الذين يعرف كذبهم الصغير قبل الكبير، ولعلّ كذبهم الفاقع أوضح من أن نبيّنه في مقال صغير كهذا.
2- الغالبية العظمى من أهل الفن والرقص، الذين رأوا في المشروع الإسلامي خطراً على مستقبلهم المهني، على الرغم من عدم اتّخاذ مرسي أي خطوة في هذا الاتّجاه، ولعلّ صور قادة الانقلاب وممثّليه مع الفنّانات بأجسادهنّ شبه العارية أوضح دليل على هذا القرب.
3- بعض القضاة الغارقون في الفساد، والذين اتخذوا القضاء سبيلا للتنكيل وتصفية الحسابات، مع كافة خصومهم، ولعل ما كشفه المستشار هشام جنينة قبل أيام من حجم الفساد الذي طال السلطة القضائية لا يُشكّل شيئاً من حجم الفساد الحقيقي في هذا الجهاز الخطير، الذي غلب عليه التوريث والرشاوي، بطريقة أفقدت ثقة المصريين في أحكامهم.
4- شلّة المنتفعين من رجال المال والأعمال، والمترفين الذين اعتبروا ثورة يناير أو حكم الإخوان مانعاً لهم من تحصيل شهواتهم بجمع المزيد من المال وممارسة العلوّ والفساد في الأرض وعشقهم للجملة المصرية الشهيرة: "إنت مش عارف انت بتكلّم مين؟!" متكئين على معارفهم وتزاوجهم برجال السلطة.
وهؤلاء المُترفون هم عادة أشد الناس عداءً للدعوات الإصلاحية، كما في القرآن الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}
5- علماء السلطان: الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا زائل، هؤلاء الذين لم يتكلّموا بكلمة واحدة على حملات الاعتقالات والتعذيب المُمنهجة للإسلاميين، طوال عهد مبارك، ثم قاموا باتّهام ثوّار يناير بالخيانة والعمالة، ووجوب قتلهم وتطبيق حدّ الحرابة عليه، ثم لمّا نجحت الثورة أشادوا بالثوّار، وقالوا أنهم فخر لمصر وللمصريين.
ثم لمّا نجح الإسلاميون في الوصول للحكم أظهروا الودّ لهم، وزاروا رموزهم وقادتهم، وعقدوا اللقاءات المصوّرة، وأوهموا المصريين أنّهم راضون عنهم، ثم إذا بهم بعد ذلك يشاركون باسم الدّين في الخروج عليهم، وإعطاء الغطاء الدّيني فيما بعد، لاعتقالهم.. بل وقتلهم، بعبارات صريحة لا تحتمل التأويل.
وهكذا فإن الأنظمة المستبدّة في كل العصور تحتاج هؤلاء المحترفين من علماء السلطان، ليقرّون لهم باطلهم باسم الدين! وفي المقابل يجعلونهم من المقربين!
(4)
لعلّي في هذا المقال المتواضع أكون قد أجبت على سؤال كثير من عوامّ الناس، حين يسألون: أين الحق، ومن الظالم ومن المظلوم؟
فالجواب هو: إذا اختلطت عليك الأمور في معرفة الحق.. فانظر إلى أي الفريقين انحاز أهل الباطل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتّباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه