د. بلال القصاص :
كتبت منذ أربع سنوات مقالا بعنوان [بريطانيا واغتيال الإمام البنا] تعرضت فيه للمحرض الأساسي لاستشهاد الإمام البنا وبينت موقف بريطانيا من الاغتيال وأنها -ومعها القوى الاستعمارية- الفاعل الأساسي والرئيسي لاغتياله رضي الله عنه وأرضاه. وأتعرض هنا للمحاولات الآثمة الفاشلة لاغتياله قبل استشهاده في 12 شباط (فبراير) 1949م- 14 ربيع آخر 1368هـ.
لم يكن الغرض من اغتيال الإمام البنا القضاء على حياة شخص، إنما القضاء على دعوة وجماعة الإخوان المسلمين، ومحو مبادئها ولقد حاول أعداء الإسلام أن ينحرفوا بالجماعة عن أهدافها ومبادئها بشتى الطرق، فخاب مسعاهم وظنهم وضل سعيهم لما يربوا عن الـ86 عاما، وحتى حين تمكنوا من إصدار قرار بحل الجماعة في 8 كانون الأول (ديسمبر) عام 1948م، وقتلوا الإمام البنا ظانين بذلك أنهم قضوا على الجماعة ومبادئها؛ ذلك أن دعوة الإخوان في حقيقتها ما هي إلا دعوة الإسلام التي لا تموت بموت شخص أيًّا كان هذا الشخص؛ فهي دعوة الله ودينه الذي ارتضاه لعباده.
ولقد حاولت قوى متباينة اغتيال الإمام الشهيد، أو احتوائه هو وجماعته، وإن اختلفت الدوافع؛ فكان دافع البعض الحقد والحسد والغيرة العمياء من زعامته وقوة جماعته، أما القوة الرئيسية التي كانت وراء الكثير من المحاولات فكان دافعها هو كراهية الإسلام وكراهية أتباعه والقضاء عليه بأي صورة يظهر بها سواء خلافة أم جماعة أم حزب، ولأن الجماعة أصبحت عقبة كئودًا في وجه مخططاتهم وأطماعهم، فلقد اعتقد أعداء الإخوان أنه بموت المؤسس تموت الفكرة، ولكن الله سلم فمازالت دعوة الإخوان تجوب أركان البسيطة معلنة راية الإسلام. وهذه هي محاولات اغتياله رضي الله عنه:
أولاً: حاول الإنجليز اغتيال الإمام البنا في عام 1941م، عن طريق إحدى سيارات جيشهم عندما فشلوا في جذبه لتأييدهم في الحرب العالمية الثانية، ولكن الله سلم.
ثانياً: قامت جماعة مصر الفتاة بمحاولتين لاغتيال الإمام البنا وإن كنا لا نرجح أنها تمت بإيعاز من قوى أجنبية إنما كان دافعها الغيرة والحسد. الأولى كانت في الحفل الذي أقامه الإخوان في المحلة والثانية كانت بوضع قنبلة زمنية تحت المنصة التي يخطب عليها الإمام البنا، وفشلت المحاولات كما فشلت غيرها.
ثالثًا: كلف الاتحاد السوفيتي الحزب الشيوعي في طنطا باغتيال الإمام البنا عن طريق إلقاء قنبةل عليه وهو يخطب في الإستاد الرياضي بطنطا. وفشلت أيضا.
رابعًا: أما حكومة النقراشي فلقد حاولت اغتياله أكثر من مرة، كان أولها في مظاهرة الأزهر التي دعا الإخوان فيها لتأييد النقراشي في عرضه لقضية مصر على مجلس الأمن ووافق البوليس عليها.
وهنا يذكر موقف عجيب ذلك أن قوات البوليس حاصرت الأزهر وكانت تعمل على تفريق من يخرجون منه وتشتيتهم أولاً بأول، حتى إذا خرج الأستاذ المرشد اصطادوه وحده، وكان الأستاذ آخر من خرج من المسجد وكأنهم ظفروا بما أرادوا فحاصروه بالقوة كلها راكبة الخيل وهو منفرد. وهنا تصرف الأستاذ المرشد تصرفًا مذهلاً؛ إذ اختطف عصًا من أحد أفراد القوة وأخذ يضرب بها كل حصان على أنفه فيرفع الحصان رجليه الخلفيتين فيهوي الجندي الذي يمتطيه على الأرض، وبذلك تمكن من إسقاط أفراد القوة كلها، وكان الإخوان قد لحقوا به في خلال هذه المنازلة البارعة والتفوا حوله.
واستمرت المظاهرة حتى وصلت إلى ميدان العتبة الخضراء، وهناك أصيب الإمام البنا بطلق ناري في ساعده، وذهب إلى قسم الموسكي وتم الاعتداء على الإخوان المصاحبين له من قبل رجال الشرطة، كما دارت معركة بين الإمام البنا وأحد الضباط الذي هدده بمسدسه، إلا أن الإمام البنا استطاع أن يمسك المسدس من يده، وأصيب الأستاذ عبد الكريم منصور زوج شقيقته بإصابات نقل على إثرها إلى القصر العيني وانتهى الحادث بالحفظ.
كما وقع انفجار في المكان الذي كان مقررا أن يتحدث فيه الإمام البنا قبل وصوله بدقائق في الشركة العربية للمناجم والمحاجر لتوديع كتيبة من الإخوان قبل سفرها إلى فلسطين، وقد تبين أن قنبلة زمنية وضعت في المكان.
وثاني هذه المحاولات عندما تعسفت الحكومة معه في رحلته للحج في عام 1948م، ثم أرسلت في رحلة الحج بعض الأشخاص الخطرين لاغتياله، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك، فأنزلت الإمام البنا ضيفا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه حتى عاد إلى مصر.
أما آخرها والتي نجحت بالفعل حيث اتفق فيها كل من الدول الغربية بقيادة بريطانيا ونفذتها حكومة النقراشي بنجاح وهي اغتياله رضي الله عنه وأرضاه في مساء السبت 12 فبراير 1949م- 14 ربيع آخر 1368هـ؛ وبالرغم من أن الرصاصات لم تؤثر في قوى بنيان الإمام البنا إلا أنهم منعوا إسعافه فظل ينزف حتى صعدت روحه إلى بارئها، وقد كان إنقاذه يتطلب مبضع صغير على حد قول أحد الأطباء.
تم ذلك لأن القوى الاستعمارية أيقنت أن الإخوان هي القوة الوحيدة التي تقف أمامها وتعاديها وقد تبين ذلك من أمرين الأول تدخل الإخوان في اليمن، والثاني تدخلهم في حرب فلسطين ليس بالخطب والدعاية فقط كما يفعل غيرهم ولكن بالجهاد والعمل والنهوض لتحقيق ذلك.
كان اغتيال الإمام البنا لعنة على قاتليه، فلم يفلت من العقاب في الدنيا قبل الآخرة أحد ممن شاركوا في اغتياله. فالله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
لكن أفلا يعيي أبناء قومنا هذا الأمر ويبتعدوا عن معاونة أعداء الإسلام وينضموا لإخوانهم ممن يرفعوا راية الإسلام للوقوف ضد أعدائه وإعادة مجده التليد... يا ليتهم يفهمون ذلك.
مراجع تم الاعتماد عليها :
جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول (ظروف النشأة وشخصية الإمام المؤسس)، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م.
محسن محمد: من قتل حسن البنا، دار الشروق، 1987م.
محمد السيد الوكيل: محمد السيد الوكيل: كبرى الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر، دار الوفاء، 1986م.
محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون. أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1993م.
----------
باحث تاريخي