عبدالوهاب عمارة

 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله , وبعد؛

 

 

" ليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً , لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم " كانت هذه آخر كلمات للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي قبل الانقلاب عليه . لم تكن مجرد كلمات لرئيس يتمسك بشرعيتة ؛ ولكنه بهذه الكلمات يحدِّد المسار الصحيح والشرعي للثورة بعد الانقلاب عليها , إنها أسس شريعة السماء . ولا تعجب ولكن فقط تذَّكر الجو الذي كان يعيشه المسلمون في مكة , فقد كانوا مستضعفين ,فقد حاصرهم أبوجهل في معتقل شعب بني طالب السجن الكبير يمنعون عنهم الطعام والشراب والدواء فمات الأطفال والنساء والشيوخ.

 

 

يُعَذَّبون بكل ألوان التعذيب  فبلال الحبشي رضي الله عنه مُلقي علي رمال مكة اللاسعة عريان الجسد في لهيب حرارة مكة وعلي بطنه الحمل الثقيل من الحجارة , وأبوبكر الصديق رضي الله ضُرب عند الكعبة حتى ما عُرِف وجهه من قفاه وحملوه لا يشكون في موته وآل ياسر قتل منهم سمية بضربة من أبي جهل في موضع عفتها والتاريخ يعيد نفسه فتعود سمية الحرة الصامدة وأبو جهل هذا العصر -وما أكثرهم - يستهدف عفتها , إن أبا جهل يأبي أن يكون مواطنا عاديا في دولة يقيمها محمد بن عبدالله فانقلب علي الخير الذي جاء به محمد صلي الله عليه وسلم , وبكل ما أوتي من قوة ومال وسلاح يحارب شعبه حتى لا ينكسر انقلابه.

 

 

وهنا كان الخطاب القرآني للمسلمين , في هذا الجو يخاطب بلالا وأبابكر وآل ياسر والمعتقلين في شعب بني طالب بما يجب أن يتصفوا به { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (الشورى :39)  ينتصرون ؟ مِنْ مَنْ ؟! وكيف ؟!

 

 

نعم ينتصرون ممن بغى عليهم ؛ أبوجهل وصناديد قريش حتى ولو وَجَّهوا الدبابات والمروحيَّات والمدافع إلي صدور النساء والأطفال والشباب المسالم , بل لابد أن يعلموا أن صبرهم علي بغي الباغين وتصديهم لمكرهم هو من أسس هذا الدين.

 

 

مع أن هذه الآيات مكية ، نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة ، ولكن القرآن يؤكد أنه حتى لو كان المسلم مغلوبا علي أمره ولم يؤمر بالقتال فالأمر الذي كان صادراً للمسلمين في مكة هو أن يصبروا وألا يردوا العدوان بالعدوان فالسياسة الناجعة في هذا الوقت في مكة هي سياسة السلمية والصبر. إلا أن المسلم يجري في دمه الانتصار للحق والتصدي للبغي والوقوف في وجه الظالم.

 

 

وذكر هذه الصفة هنا قبل أن تكون للإسلام دولة وقيادة يدل علي أن صفة الانتصار من البغي صفة أساسية ثابتة؛ وأن الأمر الأول بالكف والصبر كان أمراً استثنائياً لظروف معينة فلا بد أن يتصفوا بهذه الصفات قبل أن تقوم الدولة وقبل أن تكون لهم القيادة.

 

 

ولكن كيف ينتصرون ؟! وكيف يتصدُّون لجحافل قريش وهم لم يؤمروا بالقتال بعد ؟!

 

 

نعم ينتصرون . ينتصرون في وجه البغاة بصدورهم العارية ولو بالثبات علي الحق الذي يحملونه , ولو بالصبر علي كتم التأوُّه من الألم كما كان يفعل بلال رضي الله عنه فيهتف قائلا : أحد .. أحد , تلك الكلمات التي ترعب قريشا  وتجافي النوم عن مآقيهم.

 

وبالصدع بكلمة الحق كما فعل عبدالله ابن مسعود عندما أراد المسلمون أن يُسْمِعوا قريشا كلمات الله فلما رتَّل القرآن عند الكعبة ضربه أبو جهل وقطع أذنه لأنه يفضح انقلابه علي الخير الذي يحمله محمد صلي الله عليه وسلم.

 

فالمؤمنون لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة ولا يرضون بالدَّنيَّة أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم . ولا يستسلمون لظالم ولا يرضون بفعله ولكن المؤمن ينتصر للحق وينكر المنكر بما استطاع ؛ بيده فإن عجز فبلسانه فإن عجز فبقلبه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ » رواه مسلم 

 

وإذا كانوا في هذا الوقت غير مأمورين بجهاد القتال إلا أنهم مأمورون بجهاد الكلمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا هو سر خيرية هذه الأمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... } (آل عمران :110) ولا أشدّ من منكر البغي علي ولي الأمر والقتل وانتهاك الأعراض وحبس الحريات والجري وراء الفتيات والنساء في شوارع البلاد فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لاَ يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ قَالَ « يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِى كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ خَشْيَةُ النَّاسِ .فَيَقُولُ فَإِيَّاىَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى » رواه ابن ماجة اوقال ابن حجر العسقلاني حسن ولأصل الحديث طرق أخرى (الأمالي المطلقة

).

 

 

وإذا انتفت هذه الصفة عن الجماعة المؤمنة انتفي خيرها وفي ذلك روى عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ

 

 

الْبَحْرِ قَالَ « أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ » . قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ

 

رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَداً . قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ » ابن ماجة وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني

 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِى تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ » قال أحمد شاكر إسناده صحيح وصححه السيوطي.

 

وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ « مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه أحمد وحسنه السيوطي.

 

وإنكار المنكر له تبعات وتضحيات مَنْ صَبَر عليها فهو يصبر علي أفضل الجهاد عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ »أَوْ «أَمِيرٍ جَائِرٍ» أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي وصححه الالباني.

 

{ أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلاَ وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ » أحمد من حديث أبي سعيد وحسنه السيوطي.

 

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { سيدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلِبِ ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائِرٍ فأمَرَهُ ونهاهُ فقتَلَهُ }رواه الترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني.

 

 

كل هذه النصوص لتثبِّت في قلوب المؤمنين أنهم حماة الحق في الأرض يموتون من أجله ويضحون في سبيله ومن مات ليصدع بكلمة الحق ويحارب الفساد فهو سيد الشهداء مع حمزة رضي الله عنه.

 

 

يقول سيد قطب رحمه الله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فهذا هو الأصل في الجزاء . مقابلة السيئة بالسيئة ، كي لا يتبجح الشر ويطغى ، حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن!

 

 

ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد . وهو استثناء من تلك القاعدة { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة . فهنا يكون العفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء. فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجئ ضعفا يخجل ويستحيي ، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى . والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو . فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا . ولا كذلك عند الضعف والعجز . وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز . فليس له ثمة وجود . وهو شر يُطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه ، وينشر في الأرض الفساد! { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } . . .( في ظلال القرآن بتصرف )

 

 

فمن يملك العفو عن قتل الأبرياء وهتك الأعراض وحرق الموتى وقمع الحريات والإفساد في الأرض ؟!

 

 

قد يملك المرء العفو عن دم وليه لكن لا يملك أحد العفو عن حق المجتمع ولا عن حق الله.

 

 

جاء في كتاب القوانين الفقهية لابن جزى : إذا سقط القصاص عن قاتل العمد بعفو عنه أو بعدم مكافأة دمه لدم المقتول فعليه التعزير في المذهب خلافا للشافعي وابن حنبل وهو ضرب مائة وحبس سنة , ولا يجوز العفو عن القاتل غيلة وهي القتل على وجه المخادعة والحيلة فإن عفا أولياء المقتول فإن الإمام يقتل القاتل.

 

 

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الإِْمَامَ ، كَمَا تَحْرُمُ الشَّفَاعَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ

 

 

اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا:مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَكَلَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال : "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا ضَل مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا " أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

 

والعمدة في ذلك قول النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «تَعَافَوُا الْحُدُودَ قَبْلَ أَنْ تَأْتُونِى بِهِ فَمَا أَتَانِى مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال الحاكم :صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر:سنده إلى عمرو بن شعيب صحيح.

 

حتى أن الله جعل القاعدة يوم القيامة أنه لا يعفو عن حق العباد إلا أن يعفو كل عن حقه راضيا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلاَةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ لاَ مَحَالَةَ » رواه أحمد والحاكم وصححه وحسنه السيوطي.

 

 

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً » . قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْماً قَالَ « لَيْسَ مَعَهُمْ شَىْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلاَ يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلاَ يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ » . قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً . قَالَ « بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ » رواه أحمد وصححه الألباني

 

 

يقول سيد قطب في قول الحق { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

 

 

فالذي ينتصر بعد ظلمه ، ويجزي السيئة بالسيئة ، ولا يعتدي ، ليس عليه من جناح . وهو يزاول حقه المشروع . فما لأحد عليه من سلطان . ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد . إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق . فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه؛ وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه.

 

 

والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم . ولكن على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق . (في ظلال القرآن )

 

 

قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ » وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ » رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وصححه الألباني والسيوطي وأحمد شاكر والنووي.

 

 

فاصبروا ولا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم علي الحق في جهاد الكلمة والتصدي للظلمة والمفسدين والبغاة والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

 

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الصافات :180-181)

 

عبدالوهاب عمارة

 

 

إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

 

[email protected]