محمد منصور :
( أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها؛ ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية؛ وستجدون أمامكم الكثير من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت ـ وحده ـ تكونون قد سلكتم سبيل أصحاب الدعوات.
أما الآن فلازلتم مجهولين، ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد، و سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين مَنْ يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء وذوي الجاه والسلطان، وسيقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم ).
هكذا تكلم حسن البنا ـ رحمه الله ـ وكأنه يقرأ سطور الغيب؛ مما يدفع الكثير إلى التساؤل: مَنْ هو حسن البنا ؟!!!!! و ما هي حقيقة دعوة الإخوان المسلمين ؟!!! و ماذا يريدون ؟!!!
إن الإمام حسن البنا رجل مسلم، اختار دربه بنفسه و سار فيه سراعاً ؛ حتى قضى شهيداً مرحباً بالمنون، بعدما لبى نداء الإسلام في عصره، و واجه بجرأة و هو معتزٌ بدينه، معتدٌ بشرف الانتساب إليه ، فخورٌ أيما فخر بما يحمله؛ لا يرى فيه نقيصة؛ إذ كان يحمل ضميراً حراً عزيزاً محترماً كدينه و عرضه، لا يُساوم عليه و لا يُباع بأي ثمن، و قد فضل الموت على كذبةٍ أو خيانةٍ يخلّص بها نفسه .
انطلق بدعوته؛ بعدما علم أن الناس في حاجة إلى رجل ذي قلب، يفيض من قلبه على قلوب من حوله، و من هذا الفيض الرباني يفيضون هم على من حولهم، و بهذا يتحولون من حال إلى حال، و يخرجون من الظلمات إلى النور ؛ فجعل شعاره : سنقاتل الناس بالحب ؛ ليدركوا مَنْ هم ؟ و ماذا يريدون ؟ و من أين تكون البداية ؟
وقد كان ـ حقاً ـ ملهماً ؛ إذ بنور بصيرته، كشف للناس معالم الطريق، بعدما رأى الإنسانية معذبة شقية قلقة مضطربة و قد اكتوت بنيران المطامع و المادة؛ فهي في أشد الحاجة إلى عذب من سؤر الإسلام الحنيف؛ يغسل عنها أوضار الشقاء و يأخذ بها إلى السعادة .
فأفتى فتوى عصره بعد سقوط الخلافة و انفراط عقد المسلمين: أن العمل الواجب الآن إعادة المشروع الإسلامي؛ فكان حسن البنا صدى هذا المشروع في عصرنا؛ فعمل على استكمال الباقي من الإسلام المعطل و دعم الموجود منه ؛ حتى لقى الله على أنبل صورة يتعشقها مؤمن .
هذا المشروع الاسلامي الذي دعا إليه، هو ذاته المشروع الرباني الذي نفذه محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أشرف عليه رب العزة سبحانه، و بدأ بفرد و انتهى بأمة، و جاء في أسوأ ظروف للعالم، و بأقل الإمكانيات للداعية صلى الله عليه و سلم ؛ و مهمة كل مسلم إعادة هذا المشروع في عصره .
هذا المشروع الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على الأمة، و على كل فرد منها أن يحدد موقفه و موقعه من هذا المشروع ، الذي بدأ بـ ( اقرأ ) و انتهي بالمائدة ، مُدونا في 114 سورة و ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ينبغي بل فرضٌ على كل منا، أن يضع إجابة مناسبة ؛ ترضى الله و رسوله عن عمله في هذا المشروع في أيامه هذه ، بدعم الموجود و إيجاد المفقود .
و كان من الطبيعي أن تكون البداية أن يسأل كل منا نفسه: ماذا يحدث لو أنا مت ولم أشارك في إيجاد ما لم يُطبق من 114 سورة من القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
ماذا أقول عن المعطل منهما: منسوخ أم ملغى أم زيادة أم غير مطالب بهذا ؟
فإذا حملت هم هذه الإجابة؛ فانظر أيها أفضل إجابة تنجيك في الآخرة ؟
و أنا اقترح عليك ، إذا ما بحثت عن أحسن إجابة ، أن تنظر إجابة الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ فقد وُفق إلى صيغة تناسب العصر الذي نعيشه ؛ إذ كانت إجابة حسن البنا بعد قراءة واعية متدبرة للسيرة النبوية ـ المشروع الأول المعتمد من رب السماء ـ قراءة تعصم من الخديعة بمشروع آخر ناقص أو منحرف يقدم للناس فيتورطون به .
ذلك أن حسن البنا وضع يده على المعطل من القرآن ؛ فما بكى مثل النساء ولا اكتفي بالصالونات الفكرية أو التنظير ؛ إنما كتب مشروعا واضح المعالم؛ لإيجاد المعطل من القرآن ، استقاه من السيرة النبوية، التجربة الحية المتحركة لمعاني القرآن، و كتب على نور هداها المشروع في مجموعة الرسائل و في القلب منها رسالة التعاليم .
و لم يكتف حسن البنا بكتابة المشروع؛ بل وأقام الحجة على الأمة ؛ بأن دار بهذا المشروع على 3000 قرية مصرية من أصل 4000، وعرضه على الخواص والعوام ؛ ليوقظ الأمة كلها بقوله : إنكم تقرؤون قرآنا من عند الله 90 % منه معطل .
وأوجد الحل بإنشاء جماعة منظمة ( جماعة الإخوان المسلمين )؛ تحمل هذا المشروع وتدعو إليه و تمد يدها لكل راغب في المساهمة ولو بأقل القليل؛ ولأجل هذا اغتيل حسن البنا .
و ما حمله على هذا إلا رغبة أكيدة في توجيه الأمة توجيها صحيحا؛ يقيمها على أفضل المسالك و يرسم لها خير المناهج و يقيها التزلزل و الاضطراب و يجنبها التجارب المؤلمة الطويلة و ذلك بالعودة إلى المعين الصافي معين الإسلام عن طريق إيجاد المفقود منه و دعم الممكن الموجود .
فقد كانت هذه خلاصة فكره و ثمرة تجاربه و اطلاعه على تجربة الإسلام النموذجية التي قام بها محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وخلاصة قراءة تاريخ الدعوات و الثورات و نهضات الأمم و الاستفادة من مجهودات و أفكار السابقين والمعاصرين له أمثال : جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم المصلحين المخلصين.
و أجمل ما في الأستاذ البنا أنه تلافي ما وقع فيه السابقون، وخرج منه بطريقة عملية؛ لتنفيذ المشروع الإسلامي، بأن :
1. يضع خطة مكتوبة شملتها رسالة التعاليم؛ كي لا تضيع الفكرة و طريقة العمل من بعده مثلما حدث لمن سبقوه؛ فيحتار الأتباع ماذا يفعلون من بعده ؟ و لكي يستكملوا البناء، فيبدءون من حيث انتهي و هكذا من سيأتي بعدهم .
2. يربي رجالا يحملون هذا المنهج عن عقيدة و اقتناع؛ و لأجل هذا ترك تأليف الكتب؛ ليؤلف الرجال الذين يقذف بهم في كل بلدة فيحيونه ـ بإذن الله ـ بالقرآن .
و خير شاهد على بعد نظره هذا ، أن تقول لي : أين هم أتباع جمال الدين الأفغاني أو محمد عبده أو رشيد رضا أو عبد الرحمن الكواكبي ؟؛ فقد كانت فكرة الإصلاح في رؤوسهم لا تختلف في كثير عن فكر حسن البنا ، ولماذا عاشت دعوة البنا و في كل يوم تكسب أنصارا و خطوات متقدمة في ساحة العمل ؟
إن حسن البنا عرف طريقه حقا و حدد هدفه جيدا فاندفع إليه بكل ما أوتي من قوة ؛ فلم يخلق العداوات و استثمر كل خير في السامعين وفاق بفهمه الآخرين عندما كتب هذا المشروع ليكون حجة عليه و على الجماعة و حجة على كل من سيأتي بعده .
و خلاصة القول إن أردت أن تفعل شيئا لإيجاد المعطل من القرآن و ما صح عن رسول الله ـ المشروع الإسلامي ـ فإما أن تعمل معنا ( جماعة الإخوان المسلمين )، أو إن كانت لك رؤيا و نصيحة فلتدعمنا بها، أو أن تشترك في جماعة أخرى، أو تنشئ جماعة أخرى على شرط أن يكون مشروعها أفضل من مشروع البنا ؛ ذلك أن جماعة الإخوان اجتهاد حسن البنا في هذا العصر؛ و من خالف هذا الاجتهاد فليس كافرا، و لكن من ترك هذا الاجتهاد عليه أن يسأل نفسه :
كيف ينصر دين الله بعد أن قرأ السيرة ، المشروع الأول الرباني الذي نفذه محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و كيف يعيده في عصره، في ظل التحديات الموجودة على الساحتين : الداخلية و الخارجية.
هل بعد ذا تسألني: لماذا أنا من الإخوان؟!!!! و للحديث بقية .