المستشار عماد أبوهاشم
رئيس محكمة المنصورة الإبتدائية عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر

فى إحدى جلسات الشتاءِ بمحكمةِ البلينا الجزئيةِ بسوهاج ، قبلَ انتهاءِ الجلسةِ أصابنى مغصٌ شديد ، أصر المحامون الماثلون على انسحابِهم من المرافعةِ فى القضايا المنظورةِ ذلك اليوم ، وطلبوا منى رفع الجلسة ، وصممتُ على استكمالِها رغمَ ألمِى الشديد ، وبعد أن انتهيتُ من نظرِ جميعِ القضايا ، وسماعِ المرافعات فيها ، كان الألمُ قد بلغ درجةً لا يمكن لبشرٍ أن يحتملَها ، انتقلتُ إلى الإستراحةِ المخصصةِ لى ، وكانت قريبةً جدًا من المحكمة ، وأرسلتُ الحاجبَ لإحضارِ طبيبٍ ، ورغم حضور الطبيبِ مسرعًا إلا أن الدقائق التى مرت حتى مجيئِه ، كانت كأنها ساعاتٌ طويلة ، لم يذهب الحاجبُ إلى أقربِ طبيب ، بل اختار طبيبًا قبطيًا ، قال لى عندما سألته عن سبب تأخره : إنه لن يسمح لطبيبٍ غيره بمعالجتى لأنه يثق فيه ، ويخاف علىَّ ، وما هى إلا لحظاتٌ حتى أذهب الله ألمى - بلا رجعةٍ - على يد هذا الطبيبِ الذى ظل يطمئننُ على حالتى من وقتٍ إلى آخر ، هل يعتقد مخلوقٌ على ظهرِ الأرض أن اليدَ التى امتدت إلىَّ بالرحمة ، وجعلها الله سببًا لمداواة ألمى ، يمكن أن يرتد إحسانُها لى بإساءةٍ منى ، أو أننى - يومًا - أرضى بذلك من غيرى.
وهل من الممكنِ أن أسمح أن يُؤخذ قبطىٌ - يعيش على أرض مصر- بذنبٍ ارتكبَه غيرُه ؟ فما بالكم بمن جمعتنى به صداقةٌ أوزمالةٌ أو جيرةٌ ، أحسنَ إلىَّ وأحسنتُ إليه ، أيتصور أحدٌ أن يُظلم عندنا أو أن يُستضعف يومًا ، وأن يقال إن أخًا بيننا هَزُلا ، إن هذا لم يحدثْ ولن يحدثَ ؟ لأن لدينا ألفَ مانعٍ يمنعُنا ، فالأقباطُ يعيشون بيننا فى فى بلدٍ واحد ، وربما جمعنا بهم عقارٌ واحدٌ أوشارعٌ واحد أو عملٌ واحد ، يجمعُنا أصلٌ واحدٌ ، ولسانٌ عربىٌ واحد ، ولقد أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بأهل الكتاب عامةً ، وبقبطِ مصر خاصةً ، ولم يتزوج بغير عربيةً إلا السيدةَ ماريةَ القبطية ، وغلَّظ عقابَ من يؤذى ذِمِّيًا ، وأخذ على نفسِه عهدًا بالقصاص له يوم القيامة ، هذا عهدُ رسولِ الله ، وميثاقُ الإسلام ، ومِنْ بعدِه عهد عمر بن الخطاب ، فوالله العظيم ، والله العظيم لن ننقض عهد رسول الله ولا عهد عمر طالما أمنت دماءُ المسلمين ومقدساتُهم على هذه الأرض .
أقول لإخوانِنا الأقباطِ لا تنقضوا عهدنَا معكم ، بيننا وبينكم الدماءُ والمقدسات ، فلا تقربوها ، لا نريدُ منكم غير ذلك ، لأن الإسلامَ حرم علينا دماءَكم ومقدساتِكم ما لم تنقضوا العهد ، ومن قبلُ أمرنا المسيح عليه السلام - مسلمين ومسيحيين - أن يحب بعضُنا بعضًا ، بيننا رحمٌ لا تقطعوها ، و أخُوةٌ لا تبيعوها ، حافظَ أسلافُنا على المحبةِ بيننا ، فوُلِدنا على تلك المحبة ، فسيروا على دربِ الآباءِ والأجداد ، حتى تستمر المحبةُ بين أبنائِنا وأحفادِنا ، أم تريدون أن يقتُل أولادُنا بعضُهم بعضًا ، إن مصرَ ليست نظامَ حكمٍ يتغير ، بل إن مصرَ شعبٌ لا يتغير ، فاركنوا إلى ما لا يتغير ، واتركو ما يتغير ، نحن أقرب لكم رَحمًا من باقى مذاهب الدينِ المسيحىِّ وطوائفِه ومللِه ، فالأرثوزوكسيةُ المصريةُ أقربُ ما يكونُ إلى الإسلام ، لأن خبرَ المسيحِ عليه السلام وصلَ من بيتِ المقدسِ إلى مصرَ قبل أن يصلَ أوروبا ، فوصل أصح مما وصل أوروبا .
وأسألُكم من الذى أحل ساويرس محلَ بابا الكنيسةِ المصرية ، وأقعدَه على كرسىِّ الرئاسةِ الدينيةِ لها ، فأصبح يتحدثُ - دون البابا - عن المسيحيةِ فى مصر، وأصبح يجمع السلطتين الدينية والدنيوية عليكم ، من الذى سمح له أن يعبث بتاريخٍ كتبت حروفَه الأيامُ والسنونَ سطورًا من الحبِ والإيخاء ، وأن يبدل ماجاء به أحمدُ والمسيحُ من نظام تعايشٍ سلمىٍّ يصلح لكل زمانٍ ومكان ، هل قال لكم إن أمريكا و الغربَ المسيحىِّ سينتفضان لنصرتِكم ، هل رأيتموهما - من قبلُ - ينتصران لأحدٍ عير مصالحهما ؟ ما الثمنُ الذى ستقدمونه لقاءَ نصرتهما لكم على إخوانكم ؟ هل ستتبعون مذهبهما الكاثوليكى ؟ وهل سيتركانِكم - يومًا واحدًا - على ملتكم ؟ هل نسيتم ما فعل الرومانُ بكم من ظلمٍ وقتلٍ وإبادةٍ ، وأن الإسلام - وحده - هو من نصركم ، ورفعَ الظلمَ عنكم ، فأمنتم ديارَ الإسلامِ حتى فى زمنِ الحملات الصليبية على العالم الإسلامى ، فلم تجدوا إلا العدلَ والإخاء ، إن الذى يفعلُه ساويرس ومن معه يوردُ المسيحيةَ فى مصرَ أبوابَ الجحيم ، فمتى تدق أجراسُ الكنائسِ إنذارًا بذلك الخطر .