الأستاذ الدكتور محمود حسين

الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين

تذكرت حادثة الإفك أثناء الانقلاب وبدأت بالمقارنة فيما بين الحدثين على اختلاف تفاصيل كل منهما ووجدت تشابها عجيبا جعلني وأنا انظر الى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله اجد بعدا آخر لم التفت اليه وربما لم يلتفت اليه بعض المسلمين وهو ان العظات والدروس من أي حدث في السيرة لا تتوقف عند ما يشبهه في حياتنا بل ربما نجد عظات ودروس في أحداث في السيرة أو جاءت في كتاب الله عز وجل قد لا يبدو فيها تشابه مع ما يمر بنا من أحداث معاصرة تختلف في المناخ والتفاصيل ولكن بقليل من التدبر سنجد ربطا كبيرا بينها وخصوصا ان الهدف من دراسة السيرة هو ربطها بالواقع وهذا هو قمة الاعجاز ان يجمع لنا الله سبحانه وتعالى كل ما تحتاجه البشرية على مر العصور في نموذج واحد هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الله حين قال " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر . وتعال معي لنتدبر فيما حدث من انقلاب عسكري دموي على الشرعية وأوجه الشبه بينه وبين حادثة الإفك من حيث الدروس والعبر في الحدثين رغم الاختلاف الكامل في تفاصيل كل من الحدثين:

١- ان من قام وشارك وايد ليسوا من خارج الأمة وإنما هي عصبة منها " عصبة منكم " ليس على مستوى مصر وإنما على مستوى الأمة المسلمة بما وجد من دعم من بعض الدول العربية سواء ماديا اوتدبيرا وتخطيطا هذا فضلا عن الدعم الخارجي.

٢- ان الانقلاب وان كان فيه من الألم والعناء الا انه مليئ بالخير وسنتحدث عن هذا تفصيلا لاحقا بإذن الله فهو إذا ليس شرا بل هو خير لكم وليس معنى هذا ان من قام به لم يقم بشر للأمة ولكن معناه ان الله عز وجل يجعل في ثناياه الخير للأمة المسلمة

٣- ان الانقلاب صنف الأمة الي أنواع حسب العقاب من الله " لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم" فمنهم:

... من قام بالانقلاب أو شارك فيه كراهية للوطن والأمة ولدينها وتشويه لهويتها وثوابتها يتحمل الإثم الأكبر " والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " وهذا ما كان للأمة ان تعرفه الا بهذا الحدث

.... ومنهم من قام فيه أو شارك عن سوء قصد أو سوء ظن بمن هو قائم على الأمر سواء منهم من كان يعتبر الدكتور مرسي كولي للامر أو جماعة الاخوان باعتبار ان الرئيس ينتمي لها أو صدق إشاعة ومقولة " اخونة الدولة" " ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا" وهذا لم تخرجه الآيات من دائرة المسلمين بل اعتبرته الآيات جزء لا يتجزأ من الأمة وانظر لاستخدام لفظ بأنفسهم تشمل من شارك ومن كان ضده الفعل في ان واحد وانظر للإعجاز القران في ذكر المؤمنين والمؤمنات مع ان من قام بحادث الإفك هو رجل وكان إشارة الآية لتبين لنا ان الأمر ليس قاصرا على الرجال فقط

.... ومنهم من قام أو شارك لان معايير الحكم على الأمور لديه مختلة ولم يعمل عقله في تفسير وتحليل الأحداث وطريقة الحكم عليها " لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " وهؤلاء تتحدث عنهم الآيات بشيء من التفصيل " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم " واستخدام الآية للفظ تلقي الأمر ليس بالأذن وإنما باللسان إشارة الى ان الأمر لم يدخل عقله وإنما ردده كالببغاء كما سمعه دون أعمال عقله ثم يأتي التهديد لهذا الصنف من الناس " يعظكم الله ان تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين" وانظر أيضاً للفظ أبدا وما فيه من الزجر ثم الإشارة في نهاية الآية فيها زجر شديد لهم

.... ومنهم من قام أو شارك وهو يعلم انه كاذب مخادع وانه لم يقم دليلا على ما يقول " فأولئك عند الله هم الكاذبون" وهذا صنف مختلف عن سابقه لان هؤلاء يعلمون أنهم مخادعون لغيرهم لان لديهم معايير صحيحة لكنهم لم يعملوا لعلة في قلوبهم أبعدتهم عن قول الحقيقة

.... ومنهم من قام أو شارك أو ايد دون وعي أو غرر به " ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم" وهؤلاء تضع الآيات لهم توجيها شديدا وتهديدا بالعذاب العظيم

....ومنهم من قام أو شارك أو ايد وهو لا يريد الخير ويريد إشاعة الفاحشة في الأمة لانه منغمس فيها " ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة" وهؤلاء يتعهدهم الله بالعذاب ليس في الآخرة فقط وإنما في الدنيا أيضاً

ثم تؤكد الآيات التذكير بان كل ما يحدث رغم ما فيه من الم ومعاناة الا ان فضل الله ورحمته مصاحبة للمؤمنين وان الله سبحانه وتعالى تواب رحيم رؤوف " وان الله تواب حكيم" " وان الله رؤوف رحيم " " ولولا فضل الله ..." لتؤكد ان فضل الله عظيم وان رحمته لم تتخل عن المؤمنين وان ما حدث فيه تربية وتزكية للفئة المؤمنة وكشف للفئة المنافقة والمعادية للأمة وان حكمة الله عز وجل هي التي اقتضت هذا السياق

ان الأحداث هي وحدها الكاشفة عن أصناف البشر داخل هذه الأمة فمنها من هو رافض وكاره ومنها من هو جاهل ومنها من هو مغرر به ومنها من يحتاج لتوجيه .... الخ ولكن وهو الأهم ان كثيرا من هذه الأصناف لم تخرجه الآيات من الملة ولا من الانتماء لهذا الدين وإنما كان التوجيه والتربية وإعادة التأهيل واعطته الفرصة للتوبة والعودة الى الله وليس معنى ذلك عدم وجود الصنف المنافق والكاره لدين الله والمعادي له وهذا توعدته الآيات بالعذاب العظيم وليس أمامه فرصة لان قلبه امتلأ بالحقد على الدين وعلى المؤمنين.

د. محمود حسين احمد

الامين العام لجماعة الاخوان المسلمين