نافذة مصر
في لقائه مع الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة ، روى أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط عن مرشح سابق للرئاسة وأحد أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور المصري أنه رفض المادة التي تشير إلى مرجعية أهل السنة والجماعة في تفسير الشريعة على اعتبار أن أهل السنة هم السلفيون والجماعة هي الإخوان المسلمون.
في لقائه مع الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة ، روى أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط عن مرشح سابق للرئاسة وأحد أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور المصري أنه رفض المادة التي تشير إلى مرجعية أهل السنة والجماعة في تفسير الشريعة على اعتبار أن أهل السنة هم السلفيون والجماعة هي الإخوان المسلمون.
ذكرتني هذه الرواية بأحد من أجبرتني الظروف على التعامل معهم ، حين ظل يتحدث أمامي بكل حماس عن الإخوان تجار الدين الذين يستغلون تدين المصريين الفطري للوصول إلى السلطة وتحقيق غاياتهم الشريرة.
وعندما حاولت أن أفهم منه الأسس التي بنى عليها هذا الحكم الخطير ، فوجئت بأنه لا يصلي ولا يصوم ولا يعلم شيئا عن دينه ، وغير مقتنع أساساً بوجوب أداء أي من العبادات المفروضة.
ولما سألته عن سبب ذلك قال لي: أنا مكاني معروف سواء في الجنة أو في النار ، فلم العمل إذن؟؟؟
بمثل هذا الفكر السقيم والفهم المعوجّ يتحدث عن تجارة الدين كثير من الذين ابتُلينا بهم ، بينما هم في حقيقة الأمر أبعد ما يكونون عنه.
لا أقصد الإساءة إليهم ، أسأل الله أن يهدينا وإياهم سواء السبيل ، ما أقصده أنهم يفتقدون الحد الأدنى من العلم الشرعي والثقافة الإسلامية ، وبالتالي يصعب عليهم التمييز بين من يعمل للدين ومن يتاجر به.
والطامّة الكبرى أن الواحد منهم لا يشعر بحاجته للعلم أو السؤال ، وتجده يوزع الأحكام على هذا وذاك دون أدنى محاولة منه لفهم ثقافة الآخر أو طريقة تفكيره.
ومحاولةً مني لسد هذه الفجوة الثقافية بين هؤلاء وأولئك ، ألقي الضوء على ثلاث نقاط:
أولا: مبدأ التجارة بالدين – إن جاز لنا استخدام هذا المصطلح – يحمل أحد وجهين ، واحد سلبي والآخر إيجابي.
الوجه السلبي: وهو أن يتظاهر الشخص بالتدين وطاعة الله ليكسب تأييد الناس بهدف تحقيق أهداف ليس لها علاقة بما يدعو الناس إليه.
وهذا النموذج موجود في كل الأديان ، فعالم السلطان الذي يفتي حسب هوى الحاكم وبما يخدم مصالحه يتاجر بالدين.
كذلك خطيب الجمعة الذي يحضّ الناس على أمور لا يفعلها وينهاهم عن محرمات يأتيها هو تاجر دين.
وفي الديانة المسيحية فإن بعض الرهبان يستغلون منصبهم الديني مثلا في قضية الطلاق لتحقيق مبالغ مالية طائلة.
وهكذا نرى الوجه السلبي للتجارة بالدين في كل الأديان.
أما الوجه الإيجابي لمصطلح التجارة بالدين أو بتعبير أدق "في الدين" فقد أشار إليه ربنا في سورة الصف حين قال:
" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"
إذا كان هذا الثمن ، فإن المقابل: " يغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
سماها ربنا تجارة ، وبالتالي فإن مفهوم التجارة في الدين أو مع الله موجود ولكن بالشكل الذي بينته الآية.
وعندما افتدى الصحابي الجليل صهيب بن سنان الرومي نفسه من كفار مكة في طريقه للهجرة ، استقبله النبي صلى الله عليه وسلم بكل ترحاب وبشر قائلا: ربح البيع أبا يحيى.
ونزلت فيه الآية: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ "
ثانيا: العمل بالسياسة يعد واحداً من أهم أسباب اتهام المنتمين للحركة الإسلامية بالتجارة بالدين ، وهذا في الحقيقة يعود إلى قصور شديد في أفهام من يتهمهم أو سوء طويته ، واخترعوا لذلك عنوانا مضللا سموه: الإسلام السياسي ، وكأن هناك إسلام سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي.
لقد اجتمع فهم علماء الأمة أن الدين الإسلامي شامل كامل ، لا يجوز تبعيضه أو تجزئته ، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" والسلم هنا هو الإسلام.
فلا يجوز بحال القول بفصل الدين عن السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غيرها من مجالات الحياة.
وبالتالي فإن القول بضرورة تنزيه الدين عن المشاركة السياسية هو قول بهتان وزور لا يريد به صاحبه إلا اتباع هواه ، فإن الدين عقيدة وشريعة ، والشريعة إنما تشمل كافة جوانب حياة الإنسان ، والسياسة جزء منها.
ثالثا: ينزعج البعض حينما يربط الإسلاميون بين الجهاد في سبيل الله وبعض الأعمال السياسية مثل المشاركة في العملية الانتخابية أو الخروج في تظاهرة سلمية لدفع الظلم ، ويبلغ انزعاجهم مداه حين يسمعون أحدهم يقول: أنا أفعل ذلك في سبيل الله.
وهذا أيضا راجع لفقر شديد في الثقافة الدينية بسبب مناهجنا الدراسية والثقافية التي اجتهدت بشدة في تصدير إسلام قليل الدسم أو قل عليه إسلام ترضى عنه أمريكا.
فما حضنا عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح هو ضرورة استحضار النية في كل عمل يعمله المسلم ، في نومه وقيامه ، وطعامه وشرابه ، وخروجه ودخوله ، وحتى زواجه ، مصداقاً لقوله تعالى: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العاليمن"
هذا في الأعمال الحياتية الروتينية ، فما بالنا بعمل هام كاختيار نواب للمجلس التشريعي أو رئيس للدولة.
لا أطالب الجميع أن يتطابقوا في فهمهم مع الإسلاميين ، ولكن نظرة إنصاف تساعدنا على الأقل أن نفهم لماذا نحن مختلفون.

