د. أحمد نصار
هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية تؤثر على المشهد المصري، وستلعب دورا هاما في المواجهة المرتقبة يوم 30، نحب أن نستعرض أهمها هنا حتى تتضح تفاصيل الصورة أكثر. بُعد خارجي متمثل في الولايات المتحدة التي ترى الثورة المصرية تقليصا – وربما إنهاءً- لنفوذها في المنطقة، وبعد داخلي متمثل في القدرة على الحشد واستمراره في الميادين!
1- البعد الخارجي: الولايات المتحدة:
هناك حقيقة هامة يجب البدء بها والبناء عليها في تحليل المشهد المصري، وهي أن الولايات المتحدة لم تكن تريد نظاما إسلاميا أصوليا لا في مصر ولا في أي دولة في المنطقة، ولكنها أيضا ليست بالغباء لتعادي نظاما شعبيا منتخبا، فتجربتها في هذا الأمر مريرة والأمثلة لا تعد ولا تحصى في التعامل مع إيران وفنزويلا ...إلخ. البرجماتية الأمريكية تجعل الخارجية تتعامل مع الوضع الراهن status quo محاولة الاستفادة منه بأقصى درجة، بينما المخابرات (ومعها السفارة) تحاول تغيير الأوضاع وتعمل على الوضع الذي يجب أن يكون!
أي أن السياسة الأميركية لا تراهن على حصان واحد في السباق، لأنه لو خسر تخسر كل شيء! ويبدو هذا جليا في تعامل الولايات المتحدة مع ناصر والخميني.
ففي ثورة يوليو وقفت الخارجية الأميركية ضد طموحات ناصر وعارضت تمويل السد العالي الذي دفعه لاحقا لتأميم القناة، إلا أن المخابرات الأميركية كانت على تواصل دائم معه وكلنا يذكر على سبيل المثال أن المخابرات الأميركية أعطت عساكر الثورة 3 مليون دولار لإنشاء برج الجزيرة "برج القاهرة" الذي كان ضبط يوليو يسمونه: وقف روزفلت (نسبة إلى مدير محطة السي أي ايه في القاهرة كيرمت روزفلت)
أما في الثورة الإيرانية فقد ظلت الخارجية الأميركية الممثلة لموقف الإدارة الأميركية الديمقراطية بزعامة جيمي كارتر تعلن تأييدها للشاه بينما المخابرات الأميركية تمد جذور الصلة مع الخميني في فرنسا وتنصحه بتأجيل سفره إلى إيران ثلاثة أيام خوفا على حياته، وقد أخذ الخميني بنصائح السي ىي ايه، وأجل السفر!
بنفس الطريقة تتعامل الولايات المتحدة مع الأزمة في مصر! تعلن السفيرة الأميركية ذات الماضي القبيح احترامها للشرعية في مصر بينما تلوم قادة المعارضة في الخفاء على عدم قدرتهم على الحشد أكثر من بضعة آلاف!
***
ومن المهم في هذا الصدد أن نفهم الطريقة الأميركية في التعامل مع الثورات! فكلمة ثورة عند الأمريكان Revolution اسم له فعلان.. الأول Revolute بمعنى يثور ثورة سياسية.. والثاني Revolt بمعنى يثور ثورة جيولوجية (للبركان).. وبالتالي فإن الأمريكان يتعاملون مع الثورة سياسيا كما يتعاملون مع ثورة البركان جيولوجيا! يريدون لها أن تهدأ وتستقر، كما يراد للبركان أن يسكن ويستقر وأن تهدأ حممه وتبرد، إذا أردت العيش بجواره.
والسؤال الذي وجدت الإدارة الأميركية نفسها أمامه يوم 4 ديسمبر الماضي (محاولة اقتحام قصر الاتحادية): إننا لا نريد مرسي والإخوان، ولكن ما الثمن السياسي والآثار المترتبة على سقوطه؟ وأعتقد أن الإجابة جاءت واضحة من بعض قادة التيار الإسلامي في مصر الذين أعلنوا قيام ثورة إسلامية خالصة إذا حدث مكروه للرئيس المنتخب، وأنه إذا أعلن مجلس رئاسي من الاتحادية سننفي على الفور من السي بي سي (في إشارة لاقتحام مدينة الإنتاج الإعلامي) وبالتالي فقد حسمت أمريكا قرارها وأعطت رسالة لرجالها في مصر مفادها: لم يحن الوقت بعد، فالبديل أسوا! ولقد تعلمت الولايات المتحدة ألا تدفع خطرا صغيرا بخطر كبير!
***
السؤال الذي يطرح نفسه علينا: هل تغير شيئ؟
شخصيا أميل للتفكير بطريقة وهي: ما أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث؟ الأسوأ على الإطلاق هو اجتماع حشد كبير من الفلول والبلطجية والنصارى والمعارضة العلمانية ومعارضي الرئيس والإخوان ويتجهوا إلى قصر الاتحادية وتتواطأ الشرطة كما حدث في المرة السابقة ويقف الجيش متفرجا كما حدث من ذي قبل! ولكن حتى إذا اجتمعت هذه العوامل معا هذه المرة كما حدث نهاية العام الماضي، فهل زالت العوامل التي تجعل أميركا تخشى من البديل: الثورة الإسلامية؟
برأيي لم تذهب هذه العوامل، واحتمالات اندفاع الإسلاميين للدفاع عن "شرعية" الرئيس وإعلان ثورة إسلامية ما زال قائما كما كان، بل أكبر، بعد انكشاف مشاركة النظام السابق في الدعوة لمظاهرات يوم 30 بصورة فاضحة، وبعد نجاح الحكومة في بعض الملفات الهامة كالخبز والغاز، رغم عدم تحقق إنجاز ملموس في ملفات أخرى.
***
العامل الداخلي: القدرة على الحشد واستمراره:
العامل الرئيسي الذي سيفرض نفسه على الجميع هو من لديه قدرة أكبر على الحشد ونفس أطول على الاستمرار في التواجد في الميادين!
وأستطيع أن أقول مطمئنا أن الإسلاميين بفضل الله عز وجل لديهم قدرات لا يضاهيها أحد آخر على الحشد، ظهر جليا في عدة مليونيات ناجحة كمليونية لا للعنف الجمعة الماضية، مليونية جامعة القاهرة، مليونية 29-7-2011...إلخ بينما الطرف الآخر لم يستطع تجميع نصف هذه الأعداد في كل مظاهراته مجتمعة!
إن وجود هذه الحشود على الأرض من يوم الجمعة 28 وتواجدهم في الميادين حتى انتهاء الأزمة سيكون له دور بارز في إفشال أي مخطط لإرباك المشهد والعودة بالبلاد للمربع رقم صفر!
من ناحية أخرى فإن هناك ملاحظة غاية في الأهمية لا يمكن إغفالها وهي: أن الثورة المصرية في 2011 نجحت - بفضل الله عز وجل - لثلاثة أسباب رئيسية:
1- لأنها كانت سلمية: فلم تعط مبررا للنظام لاستخدام العنف المطلق ضد المتظاهرين وساعتها كانت ستؤيده قوى الغرب مجتمعة. وطبعا خلت مظاهراتهم طيلة عامين من أي مظهر من مظاهر السلمية.
2- نجحت الثورة لأنها كانت بلا قيادة تمثلها يمكن التفاوض معها أو الضغط عليها، وربما الثغرة الكبيرة في الدعوة لتظاهرات يوم 30 هي كثر القيادات فيها، فهناك المرشحون الخاسرون في الانتخابات جميعا، وهناك قيادات النظام السابق وهناك شباب مستقل يرى وجهة نظر مختلفة تماما....إلخ البعض ينادي بمجلس رئاسي والبعض ينادي بانتخابات رئاسية مبكرة والبعض يريد المحكمة الدستورية...إلخ ولا يوجد اثنين يتفقان فيما بينهم على تصور واحد.
3- نجحت الثورة لأنه كان هناك تنظيم قوي على الأرض يعمل على مد المعتصمين بما تحتاجه ويذكي شعلتها ويحافظ على استمراريتها، وهم جماعة الإخوان المسلمين الذين تكفلوا بإعاشة المتظاهرين من طعام ودواء وأغطية في البرد القارص، وهذا غير موجود بطبيعة الحال، اللهم إلا من قيادات الحزب الوطني المنحل وهذا سيظهر الوجه الحقيقي القبيح لهذه الدعوات.
***
و أيما يكن من نتيجة هذا اليوم، فإنه من المؤكد أن الإسلاميين الذين يرون هذه الدعوات ما هي إلا محاولات للانقلاب على الرئيس المنتخب والقفز على نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الجماهير لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون من هزموهم في الانتخابات بالأمس يحاولون يسرقون منهم بالإكراه حقائق اليوم وأحلام المستقبل! وخاصة بعد تأكد الجميع أن الموجه الحقيقي والمستفيد الوحيد منها هو النظام السابق، الذي طالب البرادعي أنصاره "لاحتضانه"، وقال حمدين أنهم اتحدوا مع النظام السابق لإسقاط النظام، وتصريحاته الودودة عن مبارك وشفيق في جريدة الحياة اللندنية الثلاثاء مفجعة!
على كل من يفكر بالانقلاب على الشرعية أن يفكر ألف مرة في الملايين المرابطة في الميادين قناعة منهم أنه في حالة سقوط أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة فإن رئيسا لن ينعم بجلوسه على كرسي الحكم في مصر شهرا بعدها
حفظ الله مصر.

