ما إن أعلن السياسي الأمريكي المسلم من أصول هندية زهران ممداني ترشحه رسميًا لمنصب عمدة مدينة نيويورك حتى اشتعلت حملة عنصرية واسعة ضده في الإعلام الأمريكي.
إحدى المجلات المحافظة نشرت مقالًا مهينًا وصفت فيه ممداني بأنه “يأكل الأرز بيديه”، في إشارة استعلائية تسخر من عاداته وثقافته الشرقية، بينما تداولت وسائل التواصل ووسائل إعلام أخرى الاتهام نفسه لتشويه صورته أمام الناخب الأمريكي.

لكن ما أرادوه طعنًا في شخصه، تحوّل إلى رمز فخر وهوية، إذ ردّ ممداني بعبارة لاقت انتشارًا واسعًا: “نعم، آكل الأرز بيدي، لكنني لا أستخدم يدي لسرقة حقوق الآخرين.”
دود الأفعال في نيويورك: من السخرية إلى موجة تضامن واسعة

ما إن انتشرت تصريحات المجلة التي سخرت من زهران ممداني، حتى اشتعلت نيويورك بالنقاش والجدل.
الصحف التقدمية مثل ذا فيليج فويس وذا سيتي وصفت المقال العنصري بأنه "سقوط أخلاقي للصحافة الأمريكية"، معتبرة أن مهاجمة مرشح بسبب عادات طعامه تكشف “كمّ النفاق الذي تعيشه مؤسسات الإعلام الغربي حين تزعم الدفاع عن التنوّع”.

في المقابل، وقف عدد من أساتذة الجامعات الأمريكية إلى جانب ممداني، إذ نشرت جامعة كولومبيا بيانًا غير مباشر أدانت فيه "التحامل الإعلامي على الخلفيات الثقافية للمترشحين من الأقليات"، بينما ألقى طلاب من أصول عربية وآسيوية في جامعة نيويورك وقفة رمزية تناولوا فيها الأرز بأيديهم أمام مبنى الصحافة تضامنًا مع ممداني ورفضًا للتمييز.

الجاليات العربية والإسلامية في نيويورك بدورها نظمت فعاليات تحت شعار "كرامتي بيدي"، تحولت إلى حملة توعية ضد التنمّر الثقافي والعنصرية المقنّعة في الإعلام الأمريكي، مؤكدين أن ما يتعرّض له ممداني ليس مجرد هجوم على شخص، بل على كل مهاجر يتمسك بجذوره.

وتحدث المفكر الأمريكي من أصل مصري الدكتور "نادر فرجاني" في ندوة بجمعية الصحافة المستقلة قائلاً:
“حين يُسخر من سياسي لأنه يأكل الأرز بيده، فنحن أمام أزمة حضارية لا مهنية. هذه ليست معركة زهران وحده، بل معركة هوية وعدالة لكل أبناء المهاجرين.”

تلك الموجة من التضامن الشعبي حولت ما أرادته المؤسسة الإعلامية فضيحة إلى حدث إنساني جامع، أكّد أن نيويورك — رغم قسوتها — لا تزال قادرة على احتضان صوت مختلف يؤمن بأن الكرامة لا تُقاس بطريقة الأكل، بل بما تقدمه اليد من عدل وحق وإنصاف.

 

ترشّح غير تقليدي يربك المؤسسة السياسية
زهران ممداني، النائب الشاب المسلم في مجلس ولاية نيويورك، قرر خوض الانتخابات البلدية لمنصب عمدة المدينة الأكبر والأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة.

ترشّحه مثّل تحديًا غير مسبوق للمؤسسة السياسية التقليدية، فهو أول مسلم من أصول إفريقية-آسيوية يتقدم رسميًا لهذا المنصب، ويحمل برنامجًا تقدّميًا يربط العدالة الاجتماعية بحقوق الأقليات، ويرفض التحالفات المالية التي تسيطر على السياسة المحلية.

إعلانه الترشح جاء مصحوبًا بدعم شعبي واسع بين الشباب والمجتمعات المهاجرة، لكنه في المقابل أثار ذعر الأوساط اليمينية والإعلام المحافظ التي سارعت إلى تشويه صورته باستخدام العنصرية الثقافية.

 

سيرة نضال من الهامش إلى قلب السلطة
ولد زهران ممداني عام 1991 في أوغندا لأسرة مسلمة هندية الأصل، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة حيث درس العلوم السياسية وانخرط في النشاط الاجتماعي.
انتُخب لاحقًا نائبًا عن ولاية نيويورك، واشتهر بخطابه الإنساني ودفاعه عن حقوق الفقراء والمهاجرين.
دعا إلى إصلاح منظومة الأمن، وتخفيف العنف الشرطي، واعتبر أن مكافحة التطرف تبدأ من تحقيق العدالة الاجتماعية، لا من التوسع في القمع.
واجه تهديدات عنصرية عديدة، لكنه واصل الدفاع عن التعددية والحرية، مؤكدًا أن "الاختلاف ليس جريمة بل ثراء للمجتمع الأمريكي".

 

فضح الجرائم الصهيونية والدفاع عن فلسطين
لم يكن ممداني مجرد نائب محلي، بل أصبح صوتًا قويًا للحق الفلسطيني داخل المؤسسات الأمريكية.
وصف إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري”، وطالب بمحاسبة قادتها على الجرائم المرتكبة في غزة، كما دعم مقاطعة الشركات التي تموّل المستوطنات.

في إحدى جلسات البرلمان المحلي، قال بصراحة: “من يقف ضد الاحتلال لا يعادي ديانة، بل يدافع عن إنسانية مهددة.”
هذا الموقف الصادق جعله هدفًا للوبيات الصهيونية التي شنّت ضده حملات متكررة، متهمة إياه بمعاداة السامية، رغم أن خطابه يقوم على القيم الإنسانية لا الدينية.
الهجوم العنصري الذي استهدف زهران ممداني بعد ترشّحه لعمدة نيويورك لم يضعف موقفه، بل أكسبه تعاطفًا شعبيًا واسعًا وكشف هشاشة الخطاب الإعلامي الأمريكي أمام صوتٍ مختلفٍ وشجاع.

لقد حاولوا تحقيره بعبارة “يأكل الأرز بيديه”، لكنه حولها إلى شعار إنساني: أن تكون على طبيعتك شرف، وأن تحافظ على ثقافتك بطولة.
اليوم، بات ممداني يمثّل أكثر من حملة انتخابية؛ إنه صرخة هوية وعدالة في وجه نظامٍ عنصريٍّ يخشى من التنوّع أكثر مما يخاف من الفقر والفساد.