علاء الدين الكيلاني

تتأهب المعارضة بتياراتها وتناقضاتها لمعركة الحسم مع الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو الجاري.

يضم فريق التمرد على النظام كافة القوى الليبرالية واليسارية بتفاوت تطرفها واعتدالها، كما تضم أنصار الرئيس المخلوع والباكين على مغانمهم في عهده، وتشمل كذلك قطاعا آخر من المواطنين الذين لا ينتسبون لأي اتجاه سياسي ولا حتى للنظام السابق وإنما يشتركون فقط في الكراهية الشديدة لفكرة الإسلام السياسي في عمومها ولجماعة الإخوان بشكل خاص. والصنف الأخير لم يبن موقفه في الغالب على تعارض فكري أو اختلاف منهجي وإنما هو نتاج للموجات المتلاحقة من النقد والتشويه المتعمد في الإعلام المصري المنحاز بشكل سافر ضد النظام الحالي والقوى المؤيدة له والمشروع الذي يمثله.

تملك قوى المعارضة بمكوناتها المذكورة إمكانات هائلة من أموال وصحف وقنوات فضائية واتصالات واختراقات لبعض الأجهزة ودعم أطراف دولية وإقليمية. وتتبعها جماهير متنوعة ستحتشد بالتأكيد في المواقع المحددة أمام قصر الإتحادية أو ميدان التحرير أوغيرهما من أماكن التجمهر، وسيكونون مدعومين في هذه المرة بعدة ملايين من استمارات "تمرد" التي تطالب بإسقاط رئيس الجمهورية بصرف النظر عن تدقيقها من عدمه، وذلك بتغطية إعلامية احترافية هائلة.

في حين يضم الفريق الآخر المدافع عن شرعية وجود الرئيس عددا من القوى الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وقطاعا كبيرا من السلفيين والإسلاميين غير المنتظمين داخل فصيل محدد. كما يضم أيضا قطاعا من الشعب ممن يخافون المجهول وممن يريدون الحفاظ على ما أوصلتهم إليه الثورة مما كان أشبه بالحلم، كأن يتم انتخاب رئيس للجمهورية من بين عدة مرشحين ويفوز أحدهم في النهاية بفارق ضئيل كبداية لتكريس النظام الديمقراطي، وتطلعا لاستكمال كافة المؤسسات الدستورية.

يخطط الفريق الأول لعمل مظاهرات عارمة أشبه بجمعة الغضب في 28 يناير 2011 ويحاصرون القصر الرئاسي ويقدمون للرئيس استمارات وقع عليها عدة ملايين تزيد عن الأصوات التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة بما يعني تراجعا عن تأييده وسحبا للثقة منه.

فإذا استجاب الرئيس لصوت العقل وتنحى عن الحكم فيتم استكمال السيناريو المعد بمحاكمته وجماعته وتشكيل فريق رئاسي من المعارضة مع إعطاء مساحة كبيرة لمشاركة عسكرية نافذة ومتحكمة.

أما إذا لم يفهم الرئيس الرسالة ويقدر الموقف بقدره فيكون قد حكم على نفسه بالخطوة التالية من الخطة باعتقاله أو حتى قتله ليسيطر الثوار الجدد على الحكم ظاهريا و يبدأ كفاح جديد لإقصاء العسكر مرة أخرى وإجراء انتخابات يُمنع الإسلاميون من الترشح لها.

أما الإخوان وحلفاؤهم من داعمي الرئيس فيجدون أنفسهم مضطرين للتوحد والتنسيق والاستعداد لكل الاحتمالات. ومع تشككهم في موقف الشرطة بقياداتها وضباطها ورغبة في عدم الاعتماد المطلق على حياد المؤسسة العسكرية، فإنهم سيكونون حريصين على حشد كوادرهم الكثيفة والمنظمة للتواجد في الشارع في فعاليات متتابعة قبل 30 يونيو لتوصيل رسائل لكل الأطراف بأن الدفاع عن شرعية الحكم مسألة حياة أو موت للمشروع الذي لا يبخلون بأرواحهم في سبيله، وأنهم حتى إن لم يمنعوا الانقلاب على الحاكم الشرعي المنتخب فإنهم سيكونون قادرين بالتاكيد على إنجاز عمل ثوري ينتهي بالسيطرة على مقاليد الحكم، وعندها سيضطر خصومهم لأخذ عدة خطوات للوراء متباكين على ما أهدروه من فرصة للتعايش في شراكة وطنية مؤسسية دون غالب أو مغلوب.

ستمر فترة زمنية غير محددة بين انتزاع الحكم من مرسي واستقراره في يد الإسلاميين مرة أخرى، حيث تسيل دماء كثيرة وتلعب قوى إقليمية ودولية أدوارا عالية الأسقف وتعاد صياغة العلاقة مع بعض المؤسسات وفق المعطيات الجديدة.

سيحاول الطرفان تمهيد الأرض لتحقيق أهدافهم. فيحتاج خصوم الرئيس لمزيد من تعقيد الظروف الحياتية للمواطنين وتعميق الأزمات الحيوية كالخبز والوقود والكهرباء بالإضافة للأمن الذي يتم الترويج لمشاركة أعداد كبيرة من عناصره في التظاهرات مع الاستفادة الأكيدة من الدعم الإعلامي الشديد التأثير على المواطنين البسطاء.

بينما يحتاج الفريق المدافع عن الرئيس تدخلا من الأجهزة الحكومية للحفاظ على أعلى مستوى من تقديم تلك الخدمات الأساسية بل وتحقيق تقدم ملحوظ فيها يقلل من استجابة قطاعات من الشعب للمشاركة في التظاهرات.

لن يغيب محترفو الإجرام عن المشهد وسيتم الاستعانة بهم لأعمال القتل والترويع خاصة إذا اضطر الإسلاميون للنزول للمواجهة ومنع الإطاحة بالحكم، عندها لن يفرق هؤلاء القتلة المأجورون بين الرؤوس التي سيخترقها الرصاص لتصبح فرصة جديدة لتبادل الاتهامات بالقتل المتعمد.

لن يتوانى الإسلاميون هذه المرة عن الدفاع عن انفسهم ورد الاعتداء ولن يكونوا لقمة سائغة كما حدث من قبل، مما يعزز احتمالات إراقة الكثير من الدماء.

يبقى الاحتمال الأكبر والأفضل وهو قدرة والتزام قيادات المعارضة بالحفاظ على سلمية المظاهرات، إما تقديرا للمسئولية التاريخية وربما الجنائية بحقن دماء المصريين أو اقتناعا في الأيام المقبلة باستحالة اقتحام الأسوار والوصول لهدف إسقاط الرئيس وإدراكا لقدرة أنصاره على تصحيح الأوضاع سريعا واستعادة السلطة.

والمؤسسة العسكرية مرشحة للقيام بدور هام في ترجيح هذا المسار وتحويل الحدث لفعالية ديمقراطية للتعبير عن الرأي والمناداة السلمية برفض الرئيس واتهام ظهيره السياسي بالتحكم في أمور الحكم. ويتزايد هذا الاحتمال إذا جمعت المعارضة بالفعل ملايين كثيرة من الاستمارات التي تشجعها على خوض الاستحقاقات الانتخابية المتتابعة والوصول للسلطة دون إراقة الدماء.