د. أحمد نصار

هل الظلم يصنع ثورة؟ سؤال ألقيته على الحضور في إحدى المحاضرات التي شرفت بإلقائها حول المصطلحات السياسية. سرت همهمات بين الحضور في القاعة عن علاقة السؤال بالموضوع الذي أتوا لأجله. ولأنني أصررت على طرح السؤال أجاب معظم الحاضرين بنعم.. إن الظلم يصنع ثورة..

 

انتقلت معهم للسؤال التالي: وإذا كان الظلم يصنع ثورة، لماذا لم تقم الثورة في مصر منذ زمن؟ أم أن ظلم مبارك للناس بدا في 2010؟؟ أسقط في أيديهم وعادوا للتفكير.. بادرني احدهم  بسؤالي عن رأيي (من باب الهجوم خير وسيلة للدفاع) ابتسم الحضور وقد وجدوا مخرجا من هذا الموقف.. فقلت مبتسما: لا أيها السادة.. إن الظلم لا يصنع ثورة!

 

***

 

لقد ثار الناس في فرنسا ثورة عنيفة، ولكن هل بسبب الظلم وحده؟ ولماذا تأخرت الثورة في روسيا القيصرية وفي بروسيا (ألمانيا) رغم أن ظلم الناس فيهما كان اشد من فرنسا بمراحل؟؟ السبب  الرئيسي يا سادة للثورات هو "الشعور بالظلم" وليس الظلم وحده.

 

  لقد فرنسا لها بعض الأسباب التي جعلت الشعور بالظلم متفشيا ينتشر ككرة الثلج حتى لم يستطع أحد أن يوقفها، ونجمل هنا سببين رئيسيين.

 

1-    توفر لفرنسا مجموعة من المفكرين والمثقفين أمثال مونتسيكيو وجان جاك روسو وفولتير الذين نوروا عقول الناس وأبصروهم بما تعيشه فرنسا من مشكلات. (ولك أن تتخيل حجم المأساة حين تقارن  بين روسو ولميس الحديدي!)

 

2-    أدى اشتراك عدد كبير من الفرنسيين في حرب التحرير الأميركية إلى تأثرهم بشعارات الحرية التي رفعها الثوار الأميركيون ضد المستعمر الانجليزي، وبالطبع نقلوا هذه الروح إلى فرنسا في مراسلاتهم وعندما عادوا، ولعل هذا أول ظهور تاريخي لمصطلح تصدير الثورة. (لاحظ أن تمثال الحرية أهدته فرنسا للولايات المتحدة بعد ذلك، واستقبل جورج بوش الابن ساركوزي في البيت الأبيض بأبيات من شعر فولتير)

 

***  

 

إن الظلم لا يصنع ثورة يا سادة، لكن الإحساس بالظلم يجعل جموع الناس تندفع للشوارع لأخذ حقوقها المسلوبة.. والإعلام المباركي يفهم هذه القاعدة جيدا ويعرف كيف يتعامل معها. ويقوم بربط غير منطقي بين ما يشعر به أعداد عفيرة من المصريين من ظلم وغضب لمشكلات حياتية حقيقية وطاحنة يشعر بها كاتب هذه السطور كما يشعر بها أي مواطن مصري غير قابع في الفضائيات ليتقاضى ملايين الجنيهات لتأجيج شعور الناس بالظلم، لا من النظام القديم المتسبب في كل ما نمر به من مشكلات، ولكن بالنظام الوليد الذي لم تمر أشهر على تسلمه مقاليد الحكم في البلاد..

 

إن الإعلام يقوم بصورة ممنهجة بنسبة أي مشكلة تسبب فيها مبارك لمرسي، ونسبة أي إنجاز يقوم به مرسي لمبارك! كل ذلك لتأجيج مشاعر الناس ودفعهم للنزول من أجل مصالح خاصة معروفة!

 

يقول ناعوم تشومسكي في كتابه القيم "السيطرة على الإعلام":


"مبدأ لينين يقول: طلائع المفكرين الثوريين لابد وأن تستولي على السلطة، عن طريق توظيف ثورات شعبية كإحدى الوسائل التي من شأنها أن تدفع بهم إلى سدة الحكم، ثم دفع الجماهير الغبية الدهماء باتجاه مستقبل غير قادرين أو مؤهلين لفهمه، أو وضع تصور له لشدة غبائهم وعدم أهليتهم لفعل ذلك! ويبدو هناك تقاربا بين النظرية الماركسية اللينينة وبين الديمقراطية الليبرالية"!!


السيطرة على الإعلام الفصل الثاني: صـ 9 و 10

 

 

***


إن الناظر في وجوه القوى الداعية يوم 30 يونيو سيجد فيها عكاشة وتهاني الجبالي وأبو حامد وعمرو موسى ومنسق حملة شفيق وحاتم فضالي صاحب فيديو موقعة الجمل وجميع الفنانين والإعلاميين الذين أيدوا مبارك! سيختفي على الفور أي شعور بالظلم من النظام الحالي ليتوجه جله إن لم يكن كله- للنظام القديم، فهذه الوجوه ذاتها هي سبب ما نمر به من مشكلات حتى الآن.

 

على أنصار الديمقراطية الاستعداد للاحتفال بيوم 30 يونيو كسنة أولى ديمقراطية.. مع العلم إن الطفل في العام الأول لا يصبح بطل اوليمبياد.. لكن حمايته واجبة وضرورية إذا أراد أن يصبح ذلك في يوم من الأيام.. نعلم ان بعض المؤسسات غير متعاونة وبعضها متآمرة وبعضها عاجزة، لكن الرئيس ما تحمل هذه المسؤولية إلا بأصواتكم فلا تتركوه يواجه الانقلابيين وحده.

 

نعاني من مشكلات نعم! والحياة ليست وردية، لكننا نستحق الديمقراطية وسندافع عنها مهما تطلب الأمر.. فاستعدوا.. لا تسمحوا لمن فشل في اختبار الديمقراطية أن ينجح عبر طريق المولوتوف. فلا الشعب يؤيدهم والحرية والديمقراطية بريئة منهم..

 

إنهم كما قال شكسبير "جعجعة بلا طحن"، مع الاعتذار لشكسبير..

 

وسنوضح الأسبوع المقبل لماذا سيفشلون إن شاء الله.