حازم سعيد :

 هكذا جاءني صاحبي - المتعاطف مع الرئيس مرسي والإخوان ، والملتزم دينياً دون ارتباط تنظيمي بأي اتجاه - ، جاءني بعروق منتفخة ووجنة متورمة وعين جاحظة ، ويبدو كأنه خارج من صراع رهيب مع حيوان كاسر.
فقلت له : طيب اهدا بس واقعد اشرب حاجة ونتكلم .. فرد علي بحدة رهيبة ما ظننت أنه يمكن أن يفعلها معي يوماً ما : وقال لي أقعد إيه واشرب ولا أهبب إيه ؟ إنت قاعد هنا في التكييف والناس برة كانت هتقتلني لما لقتني بأدافع عن مرسي ، أزمات غاز وكهرباء ومواصلات ، كل حاجة بقت زفت ، كده خلاص يوم 30 دا هيخلص على الحلم ، وهينتهي مرسي والإخوان والمشروع الإسلامي إلى الأبد ... فأجبته بدون ترتيب ببعض إجابات أردت أن أسردها عليكم مرة أخرى مرتبة منمقة مع إضافات وتحسينات ، لعلها تحمل بعض النفع إن شاء الله :

أولاً : من كان الله معه فمن يكون عليه :
وليس المخبر كالمعاين ، وقد عاينا معاينة اليقين ، ورأينا من آيات الله في ثورة 25 يناير ، وما آلت إليه حتى يومنا هذا ، ما لم نكن نحلم به في يوم من الأيام ، وكنا نحسبه مما لن يراه إلا أبناؤنا أو أحفادنا ، من صعوبة الأوضاع والقهر والفساد أيام المخلوع مبارك ، ومن يتحدث أنه كان يحلم بهذا يوم 11 فبراير 2011 فهو واهم أو مخادع .
ونحن الإخوان حين انتفضنا مع من انتفض ، وحين قدمنا الشهداء ، وحين اجتهدنا فيما اجتهدنا فيه من قرارات أرضت من رضي أو أسخطت من سخط ، لم يكن في نياتنا ولا في مبتغانا سوى الله - وهو حسبنا ونعم الوكيل - وما سلكنا طريقنا أو قطعنا وادياً أو اتخذنا منهجاً إلا ونصب أعيننا مبدأ دعوتنا الأول : " الله غايتنا " .
أفيظن أحد أن الله سبحانه الذي وعد بنصر رسله : " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ، والذي تكفل بإنارة درب من جاهد : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " ، والذي يقبل صفقات من باع ، وقد بعنا يا رب وبايعنا : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " ، أيظنن أحدكم أن الله سبحانه الذي تكفل بهذا ، وأقر أعيننا بما أقرها به من خلع المخلوع ودستور الحرية وتولي الرئيس مرسي ... أيظنن أحدكم أنه سبحانه يمكن أن يخذلنا .. كلا والله .. وما هذا بالظن في رب العالمين ، وقد علمنا أنه عند ظن عبده به .. ونحن نثق في ذلك يا رب .

ثانياً : اللحظات المريرة الأصعب مرت بلا عودة إن شاء الله :
ثم إنك مهما بلغت بعنان عقلك أو شطحاته لأن تظن أنه سوف يأتي عليك أسوأ مما مر عند قصر الاتحادية ولقن فيه الله رب العالمين كل أولئك المنفلتين الذين استعانوا بمليشيات الكنيسة درساً في أنهم لن يفلح كيدهم ولا سعيهم ، مهما بلغت بعنان عقلك فلن يصيب أبداً إن تصور أنه يمكن أن يأتي علينا أصعب من ذلك .
ومن يمكن أن يتخيل أنه سيرد علينا يوم أصعب من لحظات ما قبل إعلان فوز الرئيس مرسي فسيكون ذلك شطحاً وإغراقاً في الوهم .
بل إن الأمة الإسلامية قاطبة قد مرت بما هو أسوأ من ذلك وتعافت ونهضت وخاب سعي الخائبين ، يوم الأحزاب إذ حوصرت الدعوة الوليدة كلها في المدينة وما خارجها من أحد يوحد رب العالمين سوى فرادى مستضعفون ببطن مكة أو واحد يخذل عن المسلمين بين اليهود والمشركين ، وبلغ الحال بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزلت فيهم هذه الآيات : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا . إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً " ( الأحزاب 9 - 12 ) ... يا الله ... ما أشبه الليلة بالبارحة .
ولسوف يمر يوم 30 إن شاء الله بأسلم وأهدأ وأهنأ وأحب نتيجة يتخيلها الصالحون والمؤمنون كما مر غيره من أزمات سواءاً على مدار عمر الأمة أو على مدار شهور وأيام حكم الرئيس مرسي .

ثالثاً : متى يجد العبد طعم الراحة :
واعلم أن ما يحدث من محاولات أهل الباطل سواءاً بحشد البلطجية وشراؤهم وإعدادهم للحرق والعنف ، ومن إحداث أزمات في مجالات حياة المواطن اليومية مثل الكهرباء والوقود ، وما يحدث بالإعلام وعلى الأرض من نقاشات الغرض منها توطين قناعة فشل الرئيس والإخوان ... كل ذلك هو من قبيل السنة الكونية التي قدرها الله سبحانه بين الحق والباطل وهي سنة التدافع .
ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل الذي يوضح ذلك ، وكيف أن عبد الله بن أبي بن سلول - النموذج الأبرز لعبده مشتاق - والذي كانوا ينظمون له آخر حبات تاج المدينة ظل يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخفاء ويدبر له المكائد ويلقي بالشبهات المريعة والتي وصلت للطعن في عرض زوجته ، أمنا عائشة رضي الله عنها ، ويمد يده لليهود ليحاولوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد فهم سلفنا الصالح تلك المعادلة حق الفهم ، سواءاً معادلة مجاهدة النفس وشهواتها والمعاصي على المستوى الفردي ، أو المجاهدة بمعنى الجهاد على المستوى الجماعي ، وكان ترجمة ذلك لما سئل الإمام أحمد رحمه الله : متى يجد العبد طعم الراحة ، قال : عند أول قدم يضعها في الجنة .
فمن كان يظن أنه سيهدأ ويرتاح ويضع رمحه وعباءة جهاده بتمكين رئيس أو حكومة أو قيام دولة ، أو حتى أستاذية العالم وخلافة على منهاج النبوة فهو واهم مخطئ عنده غبش في الفهم .
ولو تدبرنا في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنموذج أعلى متوج للفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين فسنجد أن مؤامرات الباطل لم تهدأ بل زادت وتوالت لتنتهي باستشهاده على يد غلام مجوسي ، في إشعار وتنبيه للمسلمين أن المؤامرات من أهل الباطل لن تهدأ ولن تنتهي أبداً ، ولن يكون هنالك ما يسمى باستسلام الباطل على باطله ، ولا وضع أصحاب الحق رماحهم .
بل إنك سوف تجد أن الباطل قد يتمكن في نهاية الزمان - وفق سنة الله الكونية - حتى تقوم الساعة والأرض لا ينطق عليها لفظ الجلالة " الله " حيث يكون شرار الخلق .
ولا يقال أننا سائرون نحو هذا الآن ، لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بشرنا بخلافة على منهاج النبوة الراشدة في العصور المتأخرة لم ترها الأرض بعد ، وأحسب أننا - إن شاء الله صائرون إليها - ولو بعد حين .

رابعاً : الفارق بين ثورة 25 يناير وهذا الغبش الحادث الآن :
والفارق كبير ، وكبير جداً ، من حيث الدوافع والبواعث على الثورة ، ومن حيث منطقية هذه الدوافع والبواعث والأسباب عند أصحابها وعند خصومهم وعند الناس جميعاً واقتناع الجميع بها كي تتسبب في ثورة أو تحدث حالة ضيق لكن لا ترتقي لتولد ثورة .
ومن حيث القائمين بها وصفاتهم النفسية والخلقية والفنية والكيفية والكمية ، ومن حيث أثر القائمين بها على الشارع وتفاعل الناس معهم ، ومن حيث عنصر الاستمرارية والدوام وطول النفس ، ومن حيث الأخطاء التي ارتكبها أصحاب 25 يناير وهؤلاء المغبشون والفارق بين حجم الأخطاء ، ومن حيث الجهات التي استقوى بها كل طرف ، ومن حيث النظام الذي يثار ضده وأخطائه التي ارتكبها وتقدير هذه الأخطاء ... الخ مما أرى أنه لأهميته يستحق أن يفرد له مقالاً خاصاً ، لعله يكون القادم بإذن الله .

خامساً : بيد أنه لابد من قرارات مساعدة من الرئيس ومن الحكومة على السواء :
كل هذه الراحة والاطمئنان لا يعنيان أن الدنيا وردية وأن الأمور كلها تمام ، بل هناك فعلاً أزمات على الأرض ، يزعم مثلي أنها بكاملها لا تساوي قشة في ظهر عهد المخلوع ، إلا أنها تتعارض مع سقف طموحات الناس الذي أحدثته الثورة ، وتتعارض مع الوعود التي وعدوا بها من النهضة .
صحيح هم يستعجلون ، إلا أننا في المقابل لا نكاد نرى تحسناً ملموساً في واقع الناس المعيشي وأغلب إنجازاتنا من نوعية طويلة المدى ، ويحاول الفلول بالأزمات المفتعلة أن يشعروا الناس بأن الثورة والإخوان فشلوا ، كما وعد المخلوع : أنا أو الفوضى .
ورغم كم الإنجازات الرهيبة التي قام بها الرئيس من نوعية إسقاط ديون الفلاحين ومن نوعية زيادة رواتب شرائح كثيرة من الموظفين ، إلا أن غلاء الأسعار المفتعل ، وأزمات الوقود والكهرباء وغيرها والتي هي مخلفات عهد المخلوع ، مع تخويف الإعلام وإرجافه حول الوضع الاقتصادي وحول أزمة المياه مع أثيوبيا ،  وشبهاته وهجماته التي لا تنقطع حول الرئيس والإخوان ، كل ذلك يشعر الناس أنهم في حال أسوأ .
هنا لابد للرئيس والحكومة التصرف في كل المحاور التي من شأنها أن تشعر المواطن بالفارق : ومن أولها الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه افتعال الأزمات ، نعم بالطرق القانونية ، ولكن أحياناً يحتاج الأمر لبعض الشدة في استخدام أقصى المتاح لتعويق المفتعلين كالحبس الاحتياطي والاعتقال مما يسمح به الدستور .
وكذلك تغيير من يعجز عن مواجهة الواقع من الحكومة ولا يستطيع أن يواكب حجم التحديات والأزمات التي يصنعها الفلول ، وألا ننتظر في ذلك تظاهرات يوم 30 حتى لا تكون رداً لفعل التظاهرات مما يرفع سقف طموحات المتظاهرين نتيجة نوع الاستجابة لمطالبهم .
أيضاً لابد من حركة سريعة بتغيير كثير من الفلول والمتآمرين في جل أو أغلب الأجهزة التنفيذية بالمحافظات والوحدات المحلية التي تمس قراراتهم حياة المواطن المباشرة ، وفي القلب من ذلك بعض المحافظين خاصة بالدلتا حيث يقبع أغلب الفلول ، وكذلك أجهزتهم المعاونة من سكرتارية ومساعدين .
كذلك قطع الطريق على متآمري الداخلية من ضباط فلول صغار أو كبار يكرهون الإخوان والرئيس ويكتبون على صفحاتهم ما يظهر تآمرهم ، ويرتبون مع البلطجية وقطاع الطرق سيناريوهات فوضى وانسحاب وتخاذل ليحدثوا فراغاً أمنياً يقلب الطاولة ، لابد أن يكون هذا على أجندة الرئيس والحكومة ولابد من امتلاكهم زمام الأمر في هذا كله حتى لا يحدث ما نكره - ولن يحدث إن شاء الله - .

وأخيراً .. بقيت نصيحة أو تذكرة :

 لا تنسوا الدعوة " إذا كنت في نعمة فارعها " ونعمة الحرية التي نحن فيها سوف نساءل عنها أمام الله ، وكنا قبل الثورة نحلم بها ونتمناها حتى نتمكن من الحديث مع الناس وتذكيرهم بالله وتعليمهم الخير والهدى والحق والنور وتعريفهم بفكرنا ودعوتنا والجلوس بالمساجد معهم " براحتنا " ، فاحذروا أن تنشغلوا عن هذا ...
احذروا أن تنشغلوا بالقلق بما هو كائن مما قد لا يعد بعضه من وظيفتنا ولا من دورنا أو مهمتنا كاتخاذ قرار إداري بإقالة كبير أو إقصائه ، وأن ننشغل بذلك عن ممارسة الأسباب والعمل على هداية الخلق ودلالتهم على الحق .
أخي الحبيب لسنا مطالبين بالنتائج وإنما متعبدين بالأسباب ، فدع ما لست مطالباً بتحقيقه إلى ما أنت مكلفٌ به .. يسر الله لنا جميعاً من الأمور أرشدها إنه ولي ذلك والقادر عليه .

___________
[email protected]